Wednesday, April 13, 2016

شعارات الزمن الجميل

طالما تشدّق اليسار العربي على مدى عقودٍ بشعارات مناهضة "الرجعيّة العربيّة" المتحالفة مع الإمبرياليّة الأمريكيّة.
راهناً, فضّت أمريكا تحالفها مع "الرجعيّة العربيّة" التي هي دول الخليج العربي واستبدلته بالتقارب مع إيران.
اليسار العربي إياه, الذي اضطّره رحيل الإتحاد السوفياتي الصديق والجماهيرية العظمى المرضعة وبعثيّ العراق والشام الظهيرين إلى الرضاعة من خامنئي حصراً, وجد نفسه في نفس الخندق مع الإمبريالية الأمريكية ولكنه لا يزال أميناً لشعاراته الخشبيّة ومنها مناهضة الرجعيّة العربيّة إنما هذه المرّة "غير" المتحالفة مع الإمبريالية الأمريكية .

Monday, April 11, 2016

جهاد البناء .. حصاد الدماء


لئن كانت دول الحداثة تعتمد الشفافية المالية فإن شفافية دول الموز هي خلاف اللصوص على اقتسام الغنائم. فإضافةً إلى تحويل ملف محمد دحلان إلى القضاء الفلسطيني بتهمة الفساد قامت لجنة مكافحة الفساد ( الفاسدة بدورها ) والتي شكّلها عباس لمقارعة خصومه, ايضاً بتحويل محمد أرشيد الكردي الذي كان ياسر عرفات قد ائتمنه على إستثمار ملياري دولار إلى القضاء بنفس التهمة. مما جعل رشيد هذا يكشف عن أن حجم ثروة محمود عباس يبلغ 100 مليون دولارا إضافةً إلى 27 مليون دولار هي أثمان عقارات يملكها عباس في الأردن وتونس موضحاً ان عباس يتلاعب بالمال العام ويتلقّى الرشاوى كما أنه كان يجمع الملايين من المؤسسات الفلسطينية عند كلّ انتخابات إسرائيلية بحجة دعم لقوائم العربية ولا من رقيبٍ أو حسيب . ولعلّ هذه ال 100 مليون دولار هي أخفّ اوزار ملك اللصوص هذا فعلي بابا له عدا الأربعين حرامي ولدان فاقاه في اللصوصية ولإن كان الله قد ابتلى سوريا برامي مخلوف القائم على غسيل أموال آل الأسد والمعروف بالمستر خمسة بالميّة وهي النسبة التي كان يقتطعها من أيّ مشروع يقام في سوريا, وهو ايضاً صاحب الأيادي البيضاء حيث أعلن في مؤتمر صحفي عقده بُعيد اندلاع الثورة السورية بأنه سيتخلّى عن كامل ثروته البالغة 5 مليارات دولار حسب التقديرات الأميركية , لصالح الأعمال الخيريّة, ثم كان العمل الخيري الوحيد الذي قام به هو تأسيس جمعية البستان والتي تعمل على دفع رواتب الشبّيحة الذين يقاتلون الشعب السوري ويحمون مصالح صاحب الأيادي البيضاء ومصالح ابن عمته وشريكه بشار الأسد, فإن الله قد ابتلى الفلسطينيين بإثنين من نوع رامي مخلوف هما السيدان ياسر وطارق محمود عباس .
نشرت مجلّة الفورن بوليصي التي تعنى بالشؤون السياسية العالمية بتاريخ 5 حزيران 2012 تحقيقاً كتبه الصحفي جوناثان شانزر بتاريخ 5 حزيران 2012 ( ولأهمية المعلومات وندرة المصادر ذات المصداقية سيكون إقتباسي طويلا ) يتعلّق بالفساد داخل السلطة الفلسيطينية . ان ياسر محمود عباس والذي يحمل الجنسية الكندية ودرس الهندسة في جامعة ولاية واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية, تخرّج عام 1983 وعمل بعدها لدى شركة إنشاءات خليجية لأكثر من عشر سنوات إلى أن عاد عام 1997 إلى رام الله وأنشأ شركاته الخاصة . وتابعت المجلة تقول نقلاً عن تورنتو ستار إحدى أكثر الصحف الكندية إنتشاراً: أنّ ياسر الآن يمتلك شركة فالكون توباكو التي تحتكر بيع جميع السجائر الأميركية في أراضي السلطة الوطنية كما أنه يترأس مجموعة فالكون القابضة وهي تكتل شركات وتمتلك شركة فالكون للمقاولات الكهربائية والميكانيكية وهي شركة هندسية تأسست عام 2000 ولها فروع في غزة والضفة الغربية والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة . وتابعت المجلة المعروفة بمصداقيتها تقول: هذا النجاح الذي حقّقه ياسر محمود عباس في عالم الأعمال ما كان ليتمّ لولا مساعدةٍ من العم سام وفقاً لسلسلة تقارير نشرتها وكالة رويترز للأنباء عام 2009 حيث تلقى من هيئة المساعدات الأميركية عام 2005 مبلغ 1.89 مليون دولار لإنشاء نظام مجارير في مدينة الخليل في الضفة الغربية . وتابعت الصحيفة نقلاً عن نبذة كتبها في الإنترنت عن نفسه ان مجموعة فالكون القابضة لها أذرعٌ أخرى إضافية منها شركة خدمات الإتصال العالمية وشركة فالكون للإستثمارات العامة ولقد سبق لياسر أن تفاخر في مقابلة مع مجلة إماراتية , والكلام لا يزال للفورن بوليصي , أن إيراداته السنوية تبلغ ما يقارب ال35 مليون دولار . وتتابع المجلة: هذه ليست كلّ شركات ياسر , فإنه مدرجٌ في لائحة شركة ” رصد مخاطر الإئمتان ” ومقرها في نيويورك بصفته ايضا رئيس شركة المشرق للتأمين والتي لها 11 فرعاً في أراضي السلطة وقيمة هذه الشركة حسب البورصة الفلسطينية هي 3.25 مليون دولار . وأخيرا , تضيف المجلة , فإن ياسر هو المدير العام لشركة ” فيرست أوبشن للإدارة والإنشاء ” والتي يبدو حسب ما جاء في الموقع الإلكتروني للشركة بأنها تقوم بالكثر من المشاريع العامة بعقود مع السلطة الوطنية كالطرق والمدارس ولها فروع في عمان وتونس والقاهرة والجبل الأسود ورام الله ولقد أوردت وكالة رويترز للأنباء ان هذه الشركة ايضاً تلقّت ما يقارب 300000 دولار من المساعدات الأميركية ما بي العامين 2005 و 2008 اي بما يعادل 100000 دولار سنوياً .

Thursday, April 7, 2016

أطفال الحجارة وثوّار الجعارة


في الطريق من كاراج البرامكة إلى مخيّم اليرموك صدح من مذياع التاكسي صوتٌ جهوريٌّ "حربجيٌّ" لمذيعٍ قفز فجأةً وسط سيلٍ من أغاني النضال والمقاومة وصاح مهدّداً:"هنا إذاعة القدس. جاءنا الان ما يلي, تقوم مجموعاتٌ فلسطينيّة بالتقدم نحو حاجز قوّات الإحتلال الإسرائيلي في شارع "كذا" ولقد سبقتها مجموعاتٌ إلى حاجزٍ آخر في شارع "كذا" وتقوم حالياً بمهاجمته". نبرة المذيع الحماسيّة وصوته المتهدّج بصلابة يوحيان بأن المعركة الدائرة هناك حيث مصادره الإخباريّة التي ذكرها هي بحجم معركة العلمين التي دارت بين الجيش البريطاني بقيادة الفيلد مارشال مونتغمري من جهة وبين الجيشين الإيطال والألماني بقيادة رومل "ثعلب الصحراء" من جهةٍ أخرى وليست مجرد صِبية يرشقون الجنود بالحجارة. انتهى البيان وعادت الإغاني الوطنيّة.

إذاعة القدس هذه هي ملكٌ لأحمد جبريل ربيب معمّر القذافي وحافظ الأسد الذي ابتلع مئات الملايين من الدولارات من الأوّل ونفّذ الكثير من الأعمال القتاليّة الداخليّة لصالح الثاني على مدى على مدى أكثر من نصف قرنٍ من النضال "لأجل تحرير الأرض والانسان" كما يقول شعار الجبهة الشعبيّة – القيادة العامّة. تغنّت هذه الإذاعة, كما الكثير من المنصّات الإعلاميّة الفلسطينيّة والعربيّة بأمجاد "أطفال الحجارة" واشبعوهم شعراً ونثراً وما بينَ بينْ حتى أصبح هذا التعبير تابو شعاراتيّاً آخر يضاف إلى حزمة الشعارات البرّاقة المكوّمة في الوعي الجمعي الفلسطينيّ والتي لا يجرؤ فلسطينيّ واحد على طرحها في ميدان البحث, كأن يناقش مثلاً الجانب الإنساني في جرائم القتل اليوميّة التي تطال أطفالاً فلسطينيّين لا يدركون حجم الأخطار التي تترصدهم يوميّاً أثناء تصدّيهم للقوّات الإسرائيليّة المدجّجة بالسلاح فيلعبون بالموت بمرحٍ واستهتار بينما ينشغل أصحاب القرار في قيادة الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة بتجييش الإعلام العربيّ والدولي بهدف تحويل مشاهد القتل اليوميّ هذه إلى أوراق ابتزازٍ للقوى السياسيّة المناهضة لهم, ولتضحي صور الأطفال المخضّبين بدمائهم أدوات نضاليّة ووسائلاً لتحسين شروط القادة التفاوضيّة. ما هو مقدار النبالة التي يقتضيها إرسال المال والأوامر لإستغلال مشاعر الوطنيّة والبطولة عند الأطفال والمراهقين وإرسالهم إلى مَقاتلهم بدلاً من إستخدام هذه الأموال لبناء انديّة رياضيّة مثلاً تقوم بتحويل اندفاعاتهم نحو مساراتٍ أخرى تليق بطفولتهم بدلاً من حشوهم بالهراء وقتلهم لمجرّد الانتفاع بجثثهم في البازار السياسيّ والإعلامي.

إن الوحشيّة التي أبدتها الحكومة الإسرائيليّة في التعامل مع هؤلاء الأطفال لا يوازيها سوى الوحشيّة التي أبداها إزاءهم أولئك القادة السياسيّون الفلسطينيّون الذين يرسلون أطفالهم إلى إوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة للدراسة والإستجمام بينما يشقّون بدماء أطفال الفقراء مساراً للسلام. ان تعبير "أطفال الحجارة" الذي يتباهى به الفلسطينيّون ويتفاخرون به هو في حقيقة الأمر وصمة عارٍ على جبين قادتهم أولئك, وانا هنا أعني الجزء المتعلّق باستخدام الأطفال في الإنتفاضة وليس الانتفاضة نفسها التي أسهمت بتشكيل هويّة كيانيّة فلسطينيّة للمرة الأولى خارج نطاق الشعارات الرنّانة. هذه الإنتفاضة ستستمرّ خمسة سنوات من 9/كانون أوّل/1987 وحتّى 13/أيلول/1993 تاريخ توقيع إتفاقية إعلان المبادئ في أوسلو بين م.ت.ف والحكومة الإسرائيليّة وسيسقط ضحيّتها من الجانب الفلسطينيّ على أيدي جنود الإحتلال 1,376 قتيلاً بينهم 281 طفلاً من أطفال الحجارة وسيسهم المستوطنون الإسرائيليّون (المدنيّون) في هذه المقتلة فيسقط على أيديهم 115 قتيلاً بينهم 23 طفلاً. ولم يتساءل أحد من المطبّلين والمزمّرين للزعماء عمّا إذا كان إتفاق أوسلو الهزيل هذا والذي لا زال في طور التطبيق رغم مرور 22 عاماً على توقيعه, يستحقّ كلّ هذا الكمّ من الموت البريء.

Wednesday, April 6, 2016

تحميل كتاب الخديعة


دعونا منكم ومنهم قد والله سئمناكم

حتى الآن ومنذ زمن عبد الناصر سارت الأمور في الوطن العربي على النحو التالي: إسلاميّون يحظون بالتمثيل الشعبي وعسكرٌ يستولون على السلطة ويزجّون بهم في السجون . تفصيلاً, جرى هذا في مصر والسودان وسوريا وليبيا والجزائر واليمن وصولاً حتى دولة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة الموهومة . كذلك حصل الأمر نفسه في بقيّة المنظومة العربيّة المهترئة إنّما بشكلٍ أقلّ حدّة . إمنحوا الإسلاميّين فرصةً في السلطة فيكرههم الناس كما يكرهونكم ويكتشفونهم على حقيقتهم كما اكتشفوكم ثم نطوي صفحتيكما ونبحث ويبحثون عن طريقٍ ثالث قد يخرجنا من كهوف العتمة والتخلّف .

06/04/2016

Tuesday, April 5, 2016

سعادة السفير كبير الحمير



العقيد خالد عارف أمين سرّ منطقة صيدا القادم إلى العمل التنظيميّ والسياسيّ من باب الأجهزة الأمنيّة التي خدم فيها لم يخلع أبداً هواجسه الأمنيّة التي اعتاد عليها. كلّ من يعمل لديه أو يتّصل إليه يجب ان يكون عيناً له على بقيّة زملائه وصحبه من العناصر والكوادر والضبّاط. عامل الشاي في المقرّ, حراسه الشخصيّين, ضابط تسليحه, ضابط إدارته, ضابط ماليّته, أعضاء هيئة العمل الشعبي, سائقه, حارس باب مكتبه, ضبّاط ملاك المقرّ كلّ من يمتّ بصلةٍ له هو جاسوسٌ له. أدق وصفٍ لهذا المناضل الذي لا يشقّ له غبار هو ما جاء في النكتة التي ألقاها على مسامعي ضابط ماليّته مروان ناصر, قال: زعموا ان خالد عارف تلقّى طرداً بريديّاً وعندما فتحه اكتشف انه مليء ببودرة بيضاء اللون, فسارع عبد معروف (ضابط إدارته) إلى تحذيره من ان هذه المادّة قد تكون "الجمرة الخبيثة" ورجاه ان يسمح له بتذوقها قبله حرصاً على سلامته فنظر إليه خالد عارف نظرةً هازئةً وأجابه:"انا من علّم الجمرة الخبيثة مهارة  الخباثة".
يعكف خالد عارف منذ سنواتٍ على مهمّة واحدةٍ كرّس لها نفسه بتفان عظيم وإتقان محكم وهذه المهمّة هي تسويق نفسه إعلاميّاً. هذا الهاجس الدائم الذي يشغله ويدفعه إلى الظهور على سطح الإعلام لا ينبع فقط من نرجسيّته بل من إدراكه الفطريّ وأيضاً المكتسب لجوانب اللعبة السياسيّة التي خبرها أثناء عمله لدى القادة الأمنيّين – السياسيّين أمثال أبو إياد وأبو الهول. فإن الظهور الإعلامي غالباً ما يترجم إلى نفوذٍ سياسيّ وجاهٍ إجتماعيّ وما يلبث ان يخلق قاعدةً جماهيريّة ستلفت بالعادة انظار القيادة "الحكيمة" فتسارع إلى تقريبه مع قاعدته إليها وتمهّد له الوصول إلى مناصب أعلى بشرط ان يعلن وفاءه وإخلاصه لها. هذه القاعدة الجماهيريّة التي يحلم عارف بتشكيلها وإستثمارها لها على الأرجح الدور الأبرز في دوائر العسس الذي يحترف تشكيلها بحيث لا يعود أحد من العناصر والكوادر التابعة لمنطقة صيدا التنظيميّة يجرؤ على انتقاده أو التعرّض إلى مواقفه وأساليب عمله بل يصبح الكلّ من مدّاحيه خشيةً على ما يتلقّونه من فتات موائده.
من الطريف ان الذين يؤبّنون الشهداء ويرثونهم ثم يعاهدونهم على إكمال المسيرة غالباً ما يعمّرون طويلا, وخالد عارف محترفٌ للخطابة الخشبيّة من كلّ الانواع وفي كلّ الظروف. خطابةٌ من النوع الذي لا يصغي إليها أحد بل يكتفي المحتشدون في مهرجاناته الخطابيّة بالتصفيق عند كلّ ذكرٍ لتعبير "القائد الرمز ياسر عرفات" فليس الخرفان وحدها هي التي تتشابه بل كذلك الخطّابون. لا يكاد يمرّ أسبوعٌ واحد دون مهرجان خطابيٍّ أو مسيرةٍ تضامنيّةٍ أو وقفةٍ إحتجاجيّة لعارف وجماهيره في مخيّم عين الحلوة. يوم الشهيد, يوم الأرض, يوم القدس, يوم الشهيد الفلاني, يوم الشهيد العلّاني , أيام الإحتجاجات على تقليص خدمات وكالة الأونروا "لجماهير شعبنا الفلسطينيّ البطل", يوم التضامن مع العراق, يوم التضامن مع لبنان, يوم التضامن مع فيديل كاسترو, يوم الدفاع عن القرار الفلسطينيّ المستقلّ, وكلّ ما يمكن إختراعه من أيام.
يبدأ الحفل بتجميع جميع المدرجين على قوائم الرواتب في منطقة صيدا ومخيّماتها وهم بالمئات, عند مدخل المخيّم أمام مكتب شعبة عين الحلوة التابعة تاريخيّاً لماهر شبايطة التابع تاريخيّاً بدوره لخالد عارف. يضاف إليهم عند الإمكان بعض المجموعات من الفصائل المواليّة لحركة فتح مثل الحزب الشيوعيّ الفلسطينيّ وجبهة التحرير الفلسطينيّة وحزب "فدا" الوليد الذي أسسّه ياسر عبد ربّه ومعهم راياتهم التنظيميّة خافقةً فوق رؤوسهم. وكذلك تضاف البهارات الضروريّة المتمثّلة بطوابير الأشبال الذين يتشكّلون أبناء الكوادر الفتحاويّة مضافٌ إليهم 35 ألف ليرة لكلٍّ منهم شهريّا ورغم ان أبناء وبنات خالد عارف وكذلك أبناء وبنات ضابط ماليّته وضابط إدارته هم من هؤلاء الأشبال ويتلقّون نفس الراتب إلّا انهم لم يحضروا يوماً هذه المسيرات أو الإحتجاجات بسبب خطورتها. إذ ان الحالة الأمنيّة في المخيّم وتعدد الفصائل المسلحة المتناحرة فيه تجعل من هكذا تجمّعاتٍ سياسيّة هدفاً شبه دائم للخصوم السياسيّين خصوصا منهم الأصوليّون ودائما ما تحدث خلالها إشتباكاتٌ أو تفجيراتٍ أو تهديدات. بل ان الدور الرئيس لطوابير الأشبال التي ترافق المسيرات "العارفيّة" في اختراق مخيّم عين الحلوة عبر الشارع الفوقاني ثم العودة من الشارع التحتاني والتوقف أمام مكتب الشعبة من جديد لإلقاء الخطب البتراء هو الإحتماء بهم والتمترس وراءهم.
في فترة تجميع "الجماهير" وبانتظار ان يطلّ عليها خالد عارف وأورطته ليتصدّروا  المسيرة وأمامهم  حرّاسهم الشخصيّين المدجّجين بالسلاح يقوم إبراهيم الشايب المسؤول الإعلامي لخالد عارف بالتوصيلات الكهربائية اللازمة فتصدح المايكروفانات بالإغاني الثورية القادمة من زمن السبعينات مثل "غلّابة يا فتح" و"انا صامد صامد" وتخالطها أحياناً بعض الإغاني الحديثة التي تمتدح القائد الرمز وكوفيّته. وفي نفس الوقت وقبل ظهور القادة ببضعة دقائق يتسلّل بين الجماهير عبد معروف ضابط أدارة منطقة صيدا حامل كشوفاً بأسماء المنضوين فيها ويضع علامات أمام أسماء الغائبين. في النهاية يطل خالد عارف ومعه رهطٌ من الكوادر العليا ثم تدور المسيرة دورتها المعتادة داخل شارعيّ عين الحلوة بينما "الصحفي" عصام الحلبي "يطقّ" الصور ليرسلها مع الخبر إلى مدير المجلّة التي تصدرها حركة فتح في لبنان وعصامٌ هذا يعرف تماماً ان خالد عارف سيغضب عليه إذا خلت الصور المنشورة في المجلّة من شخصه الكريم. يحدث أحياناً ان ينفرط عقد المسيرة قبل  عودتها إلى مكان انطلاقها بسبب إشتباكٍ مسلّحٍ أو إطلاق نار ويحدث أحياناً عند العودة ان يتمّ رمي المتفجرات أو العبوات المزروعة سرّاً فيتدافع المتدافعون وسط دعوات عارف عبر الميكروفانات للجماهير بالصمود وإكمال الإستماع إلى خطابه.
الخطب البتراء هذه تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ صحف النظام السوريّ "الثورة" و"تشرين" و"البعث" التي لا يتغيّر فيها شيءٌ من يومٍ إلى يوم سوى تاريخها وكلّماتها المتقاطعة. وأجزم ان عبد معروف الذي يكتبها له لا يقوم بشيء سوى تغيير بعض التعابير حسب نوعيّة المناسبة الوطنيّة التي ستلقى بها إذ لا يجوز مثلاً ان تركّز على يوم الأرض في خطابك الذي تحتجّ به على ممارسات وكالة الأونروا المجحفة بحق الشعب الفلسطيني والعكس صحيح. عادة ما تبدأ خطاباته بنداء الجماهير والإخوة والأخوات ثم حشوٌ كثيرٌ من شعاراتٍ ممجوجة وركيكة عن الإدارة الأميركيّة والجمهوريّين الجدد وعن الدفاع عن المقدسات وحقّ تقرير المصير, و"نحن ضيوفٌ على الأراضي اللبناني" (رغم ان 98% من فلسطينيّي لبنان ولدوا في لبنان) و"التأكيد على حقّ العودة" و"لن نسمح لأيٍ كان بالعبث بأمن المخيّم" (رغم انه أوّل العابثين) . وفي النهاية تأتي "الكليشيهات" الختاميّة المعهودة عن "العهد هو العهد, ووالقسم هو القسم" والتحيّة إلى القائد الرمز ثم "واننا لعائدون".
كل هذا الصخب شبه الإسبوعيّ يهدف إلى تحقيق نتيجةٍ واحدةٍ هي جملةً في الصفحة الرابعة أو الخامسة من الصحف اللبنانيّة فحواها ان مسيرةً ما قد جرت في عين الحلوة و"قد ألقى العقيد خالد عارف في ختامها خطبةً في الجماهير المشاركة أكّد فيها على الثوابت الوطنيّة ".

غسان أبو العلا
صفحة من كتابي " الخديعة "
-          ملاحظة : سعادة اللواء خالد عارف هو حاليّاً سفير فلسطين في مملكة البحرين

Sunday, April 3, 2016

حرب الثلاثة آلاف عام - صفحة من كتابي الدولة المخصيّة



تمتد جذور الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عميقاً في غياهب التاريخ المنسيّ غالباً والمكتوب أحياناً والمؤسطر المرفوع إلى مقام الآلهة الذين ساهموا بدورهم في تأجيج هذا الصراع وترسيخه في الوعي الجمعي عبر الحضّ عليه في الكتب المنزلة من السماء وتأليب شعوبهم المختارة بعضاً على بعض والوعد بتخصيص القتلى من الطرفين بأسمى وأبجل المراتب في الحياة الآخرة. إذ شهد هذا الصراع العديد من التحوّلات في مراحل تاريخيّة عديدة فتقلّب بين صراعٍ قبليٍّ فدينيٍّ فإثنيّ أو قوميّ. فرغم أن اليهود نظريّاً هم من أهل الذمّة في الإسلام, أي أصحاب الكتب السماويّة المعترف بها, ويشاركون أتباع الدين المسيحي في هذه الصفة التي تجعلهم بمقام المسلمين عدا عن إلزامهم بدفع الجزيّة للدولة الإسلاميّة مقابل حماية أمنهم الإجتماعي والإقتصادي إلّا أن الصيرورة التاريخيّة وسياقاتها السياسيّة والإجتماعية نهجت منهجاً لم يعكس يوماً هذه المهادنة المفترضة.
يعود تاريخ الصدام الأول بين القبائل البدويّة الإسرائيليّة ونظيراتها الكنعانيّة إلى أواخر القرن الثاني عشر ق.م أو أوائل القرن الحادي عشر ق.م عندما توجّه بنو إسرائيل إلى أرض الكنعانيّين, أبناء عمّهم الذين سبقوهم في الهجرة إليها من جنوب غرب شبه الجزيرة العربيّة قبل نحو 1500 عاما, قادمين من مصر التي استعبدهم فراعنتها لما يقارب الأربعمئة عام قبل ان يخرجوا هاربين بقيادة نبيّهم موسى ويتجّهون نحو أرض فلسطين بعد تيهٍ دام 40 عاما في صحراء سيناء حسب الرواية التوراتيّة. ويشكّك الكثير من الباحثين في هذه الرواية ويميلون إلى اعتبارها من نسج الخيال وقد اخترعها الفكر الديني اليهودي زمن السبي البابلي خصوصاً أن أسطورة انتشال موسى من الماء وتربيته في القصر تتشابه مع اسطورة سرجون الأكادي مؤسس السلالة الأكاديّة في النصف الثاني من القرن الرابع والعشرن ق.م, كذلك الأساطير الأخرى كالطوفان وأهل الكهف وما شابه وإن كان بعض الباحثين يتمسكّون بتاريخيّة موسى لإنعدام إمكانية فهم التاريخ الإسرائيلي في حالة نفيها ونفي الخروج من مصر.

رغم شيوع مصطلح "الساميّين" الذي سكّه العالم النمساوي شلوتسر عام 1781م مستعيراً الإسم من الإسطورة التوراتيّة التي قسّمت البشريّة في سفر التكوين إلى ثلاثة أقسام جاءت جميعها من صلب أبناء نوح الثلاثة, سام وحام ويافث, إلّا ان المعني بهذا المصطلح حقيقةً هو العرب. إذ أن جميع الشعوب الساميّة التي استوطنت بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين تشكّلت من هجراتٍ متتاليةٍ من قبائل شبه الجزيرة العربية, وهو ما يراه عددٌ من المستشرقين بينهم المؤرّخ لويس سبرنجر. ومن الشعوب العربيّة التي استوطنت فلسطين في فتراتٍ متعاقبة, إضافة إلى الكنعانيّين والإسرائيليّين كان هناك العماليق الذين تمدّدوا من مصر عبر سيناء حتى وصلوها, والمعينيّون الذين أقاموا مملكتهم في اليمن (1300-630 ق.م) وامتدت عبر شمال الحجاز لتصل إلى جنوب فلسطين. وكذلك الميديانيون وقبائل قيدار وجثم والأنباط الذين أقاموا دولتهم في القرن الخامس ق.م على التخوم الشرقيّة لنهر الأردن وكانت عاصمتها البتراء وكذلك الفلستيّون, وإن كان الآخيرون مختلفاً عليهم.

يكاد أغلب الباحثين يجمعون على أن الفلستيّين هم من شعوب البحر المقاتلة التي قطنت جزر بحر إيجة وخصوصاً جزيرة كريت قادمةً من اليونان وأواسط أوروبا. احتلت هذه القبائل سواحل سوريا أواخر القرن الثامن عشر وانطلقت منها لتهاجم مصر في عهد رعمسيس الثاني لكن الأخير تمكّن من صدّهم في معركة بحرية عام 1191 فانكفأوا إلى ساحل جنوب فلسطين حيث أسسوا مدناً خمسة هي غزة وعسقلان وجت وعقرون وأسدود. ولقد ذابت هذه القبائل تدريجيّاً في القبائل الكنعانيّة التي غزّتها فتبنّت آلهتها ولغتها ثم اصبحت جزءاً لا يتجزّء منها.
على أن باحثين آخرين يرجعون أصل الفلستيّين, ومعهم الإسرائيليّين إلى منطقة عسير شمال غرب شبه الجزيرة العربيّة. ويؤكّد جورج صليبي في كتابه "التوارة جاءت من جزيرة العرب" على أن الفلستيّين هم قبائل سكنت ساحل عسير وكانوا يتكلمون نفس لغة العبرانيين كما تشير أسمائهم, ابيمالك واحزّات بمعنى الآخذ, وتشير لهم التوراة بطريقة خاص على أنهم الغلف اي غير المختونين . وكان لهم إلههم الخاص داجون (من دجن أي حنطة أو طحن) وهنا تلاحظ ظاهرة قلب حرفي الحاء والخاء تماما مثل ظاهرة التبادل المعتادة بين حرفي الشين والسين أو العين والغين أو الصاد والظاء. ولا يزال يوجد إلى الآن قرية تدعى الفلسة (ويقابلها بالعبرية فلشة) تقع في حوض وادي بيشة في عسير إلى الشمال من قرية القرارة. ويفسّر صليبي تحريف الإسم بقوله "لو أطلق الإسم العبري على سكانها (قرية الفلسة) لسمّوا فلشتيم وهو جمع النسبة بالعبرية. ويضيف بأن الفلستيّين قد أطلقوا على مدنهم أسماء هي في الأصل أسماءٌ لأماكن في غرب شبه الجزيرة التي جاؤوا منها مثل غزّة وعسقلان. ويرى أيضاً ان الأسماء الساميّة لآلهتهم مثل داجون , الذي يعني الحنطة بالعبريّة مردّها إلى كونهم ساميّين عرب وليس إلى اعتناقهم الديانة الكنعانيّة لاحقا. لكن مسألة إشارة التوراة إلى الفلستيّين بكونهم الغلف التي أوردها صليبي تنقض نظريته دون أن ينتبه إلى ذلك, إذ أن الختان هو تقليدٌ تتّبعه كافة القبائل العربيّة ولا يختصّ باليهود فقط كما تذكر التوراة. وقد يكون هذا التقليد قد انتقل إلى شبه الجزيرة قادماً من أفريقيا وبالتحديد من القرن الإفريقي عبر البحر الأحمر. ولربما أن الهجرات العربيّة إلى مصر وشمال إفريقية هي التي حملت نفس التقليد إلى الأراضي المصريّة وإن كان لا يوجد ما يؤكّد هذا الأمر أو ينفيه.
إثر موجة الهجرة الكنعانيّة/الأموريّة استوطن الأموريّون في جنوب وشرق بلاد الشام فيما حلّ الكنعانيّون في ساحلها وجنوبها الغربي أي ما يعرف اليوم باسم فلسطين. وقد ارتحل لاحقاً جزءٌ من أموريّي الداخل الشامي نحو العراق وشكّلوا فيها السلالة البابليّة وكان ذلك حوالي القرن التاسع عشر ق.م. ورغم أن الصدام الحربي الأول بين الإسرائيليّين والكنعانيّين (ومعهم الفلستيّين) قد حدث أواخر القرن الثاني عشر أو أوائل القرن الحادي عشر ق.م إلّا أن بعض الباحثين يرجعون تاريخ استيطان بني إسرائيل السلميّ لأرض كنعان إلى أواخر القرن التاسع عشر ق.م وينسبونهم إلى العرب الأموريّين, مما يرجّح عندي الميل إلى فرضيّة ان الإسرائيليّين ما هم إلّا قبيلة كنعانيّة أساساً, اضطرتها ظروف القحط في أرض كنعان إلى الهجرة نحو مصر, إذ ان الكنعانيّين هم أنفسهم الأمّوريون وكذلك الفينيقيون وقد اكتسبوا اسماءهم المختلفة إما من مناطق سكناهم أو من تسمياتهم من قبل مختلف الحضارات المجاورة لهم. وإذا صحّت قصة الإستعباد التوراتيّة فإن أربعة قرونٍ كانت كافيةً لجعل قبيلة بني إسرائيل تتخّذ لنفسها كياناً خاصاً بها وتنفصل عن جذورها التي طواها النسيان, خصوصاً ان الإختلاط أو على الأقل التماس الثقافي والإجتماعي مع المصريّين لا بدّ قد عدّل جوهريّاً في عادات وتقاليد وحتى ديانة هذه القبيلة المهاجرة ثم المستعبَدة ثم الهاربة إلى أرض الميعاد.

إن موجة الهجرة الكنعانية /الأموريّة من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية نحو بلاد الشام التي حدثت أواخر الألف الرابع وأوائل الألف الثالث قبل الميلاد لم تكن الوحيدة بهذا الإتجاه فقد سبقتها وتبعتها العديد من الهجرات الساميّة العربيّة. ويرجّح ان اول هذه الموجات هي تلك التي حدثت حوالي العام 3500 ق.م ونزلت في أرض مصر واختلطت مع سكانها الأفارقة وهذا الخليط هو الذي كوّن الشعب المصري الذي نعرفهم في التاريخ. وكذلك تعرّضت بلاد الشام لموجة نزوحٍ جديدة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هي الموجة الآرامية التي ضمّت أيضاً قبائل المؤابيّين والعمونيّين والأدوميّين, فاستوطن الآراميّون وسط وشمال سوريا وأسّسوا دولاً/مدناً حضريّة بينها دولة مدينة دمشق وتأثروا بالحضارة الكنعانية/الأموريّة التي سبقتهم إلى المنطقة, بينما سكّن المؤابيّين والعمّونيّون والأدوميّون جنوب سوريا بمحاذاة نهر الأردن في المساحة الممتدّة من شمال البحر الميّت إلى منطقة خليج العقبة. ومن أهم الهجرات العربية التي لعبت دوراً في تاريخ بلاد الشام هي الموجة التي حدثت في القرن الخامس ق.م وشهدت نزول العرب الأنباط في جنوب الشام وتبعهم لاحقاً اللخميّيون والغساسنة. وجاءت موجة الهجرة الساميّة الأكبر في تاريخ تلك المنطقة في القرن السابع للميلاد حين اجتاحها العرب المسلمون مع ما اجتاحوه من مناطق أخرى شملت فارس وأجزاء من آسيا الوسطى وأيضاً شمال إفريقيا ثم أجزاء من القارّة الأوروبيّة.

غسان أبو العلا 
30/3/2016 

منظّمة الظلّ - مقدّمة كتاب الخديعة


خلف الشعارات والخطابات والبيانات السياسيّة والأناشيد الحماسيّة, وفوق عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الأيتام وملايين الّلاجئين في مخيّمات الفقر والجهل والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانيّة, وعبر مئات الحروب والمعارك الصغيرة والكبيرة التي خيضت بأغلبها بعيداً عن الحدود الإسرائيليّة, تقبع منظمة تحرير فلسطينيّة أخرى حقيقيّةٌ, مغايرةٌ تماماً للتوصيف الإعلاني المتداول.
منظمةً لا تشغلها "حرب التحرير الشعبيّة" ولا "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين" ولا "إقامة دولة ديمقراطيّة على كامل الأراضي الفلسطينيّة" ولا حق العودة وتقرير المصير للاجئي "شعب الجبّارين" في الداخل والشتات.
منظمّةٌ ظلّ لا علاقة لها بالمجالس التشريعيّة والثوريّة ولا باللجان التنفيذيّة والمركزيّة و"الرقابيّة", ويبلغ حجم ثروتها أكثر من 50 مليار دولار لا يعلم مصادرها ومصبّاتها إلّا حفنةً من "الموثوقين" الذين سلّمتهم قيادة م.ت.ف أسرارها وائتمنتهم على إستثماراتها. وأشهر هؤلاء المستثمرين وأكبرهم هم الدكتور رمزي الخوري مدير مكتب ياسر عرفات السابق وأحمد آغا مستشاره السابق, ومستشارٌ سابقٌ آخر هو الكردي العراقي أحمد, رشيد وبيار رزق المدير السابق لجهاز المخابرات في مليشيا "القوّات اللبنانيّة" إضافةً إلى يوسي غينوسار أحد القادة السابقين في جهازالأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وعزراد ليف الضابط السابق في شعبة الإستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة (أمان).
كيف استطاع القادة المشغولون بالنضال جمع هذه الثروات الضخمة وأين تستثمر ومن هم أصحابها والمنتفعون بها؟ لما أشهرت م.ت.ف إفلاسها مباشرةً بعد غزو العراق بسبب توقّف دول الخليج العربي عن دعمها ماليّاً إثر موقفها الداعم لصدّام حسين وغزوه للكويت؟
كيف استطاعت القيادة الفلسطينيّة رغم إفلاسها وتوقّفها عن دفع رواتب المقاتلين وأسر الشهداء والجرحى, تأمين راتب السيّدة الأولى سهى الطويل المقيمة ما بين تونس و باريس, بشكلٍ دوريٍّ ومنتظم رغم أنّه يبلغ 100 ألف دولار شهريّاً ويفوق راتب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يتلقّى 400 ألف دولار سنويّاً؟
كم بلغ حجم الصفقة التي نقلت سهى الطويل من موقع الهجوم على وفد قيادات السلطة الفلسطينيّة إلى مستشفى بيرسي الباريسي حيث يقبع ياسر عرفات في غيبوبةٍ تامّة, إلى موقع المرافعة عنه وتبجيل "أخوة السلاح" الذين رافقوا زوجها وشاركوه نضالاته بعد أن كانت قد وصفتهم عبر قناة الجزيرة قبل يومين من سفرهم ب"حفنة من المستورثين الذين يريدون دفن ياسر عرفات حيّاً" ؟. من هو صديقها المقرّب الذي يدير أعمالها الإقتصاديّة؟ ولماذا رفضت تسليم ملف ياسر عرفات الطبّي إلى قادة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة؟
كيف استطاع أفراد الصفّ الأوّل من القيادة الفلسطينيّة الحفاظ على مناصبهم لفترةٍ أطول من فترة حكم الأسدين معاً في سوريا, ومن فترة حكم القذافي, وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح وبقيّة الإخوة الديكتاتوريّين؟ وكيف خاضوا كلّ هذه الحروب ولم يسقط على جبهات القتال أحدٌ منهم أو من أبنائهم أو أقربائهم أو أنسبائهم أو أصدقائهم؟ (عدا الذين قدمت الحرب إلى منازلهم لتغتالهم رمياً بالرصاص أو تفجيراً بالعبوات المتفجّرة).
أين أقام أبناء هؤلاء القادة حين كان آبائهم مشغولين بالنضال بأرواح فقراء المخيّمات الفلسطينيّة؟ وإذا قبلنا جدلاً فرضيّة أن ولديّ محمود عبّاس ليسا لصّين متكسّبين من سلطات والدهما, أفلا يخجل الرئيس الفلسطيني من حقيقة أن ولديه هذين قد عاشا طوال حياتيهما في الخليج العربي وأكملا دراساتهما في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بينما كان هو يبني مجده وسلطته على حساب أرواح أبناء الفلسطينيّين الفقراء في الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين وأنهما لم ينضمّا إلى هذا "النضال" إلّا بعد أن ولّى عهد القتال وأتى عهد الإستثمار؟ وما هو حجم ثروتيهما وما علاقة شركاتهما بأموال الدول المانحة ؟
إلى أيّ مدىً يمكن للفساد المالي والهبوط الأخلاقي إن يتفشّى في مؤسسات تزعم "ثوريّتها" وقادةٍ لبسوا على الدوام صفة "مقاتلي الحريّة"؟ أين أقام هؤلاء القادة زمن الحروب وكم هو عدد الذين أقاموا منهم داخل المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان والأردن وسوريّا؟

غسان أبو العلا
22/1/2016

الطريق إلى الله - صفحة من كتاب الخديعة


تسير الحياة متئدةً في منطقة البقاع , كما في أيّة منطقة ريفية أخرى في العالم , وفي موقعنا بالقرب من قرية حوش الحريمة , كانت وتيرتها أبطأ منها في أية بقعة أخرى في البقاع . صحوٌ متأخرٌ في النهار . شاي ومعلبّات للإفطار , ثم مشيٌ على غير هدى في الحقول المحيطة بنا في محاولة يائسة لقتل الوقت الذي كان لدي الكثير منه . غداء هزيل بسبب ما بدا أنه تقشفٌ غير معتاد في المواقع العسكرية التابعة للمليشيات والمنظمات الفلسطينية . بعد الغداء اعتدنا على السباحة في النهر الصغير المتاخم للغرفتين اللتين نقطنهما , مما أتاح لنا الإستغناء عن الحمام اليومي وعناء نقل المياه اللازمة له بسبب عدم توفر الصنابير . كنا نستخدم ماء النهر ايضاً للشرب للطبخ والجلي وعمل أباريق الشاي وبقية حاجاتننا اليومية الأخرى , لكن هذه الفعاليات كان عليه أن تتوقف بمجملها بعد بضعة أيام إثر سيري بصحبة سامر ومفتاح في إحدى نزهاتنا العشوائية اليومية بمحاذاة النهر شمالاً بعكس إتجاهه , فما أن أصبحنا على بعد كيلومترين أو ثلاثة من الموقع حتى بدأنا بمشاهدة مناظر مقزّزة لأطنانٍ من الأوساخ والنفايات وجيَف البقر النافقة مرميةً في مجرى النهر بانيةً عوائق تفسّر بطء جريان المياه فيه , الأمر الذي كنت قد استغربته اول مجيئي . كان ثمة بعض مجاري للمياه العادمة والصرف الصحي أيضاً تصبّ في النهر وتشكّل روافداً أساسية له . أكتشفنا إذن يومها أن نهرنا الرومانسي الصغير كان في الحقيقة مكبّا للنفايات أكثر منه نهراً وأننا كنا عملياً نسبح ونشرب ونطبخ ونحتسي الشاي لفترة أكثر من إسبوعين بالخراء ! لم يكن شعورنا مريحاً بأي حالٍ من الأحوال . في الواقع وخلال ذينك الأسبوعين كانت قد تكوّنت لدي قناعةٌ بأن إنضمامي المستجد لذلك التنظيم المستجد ووجودي في ذلك الموقع المنسي من مواقع النضال , وإنقطاع الرواتب والتقشف غير المعهود في الأكل والشرب والدخان الذي كان يوزع علينا بالعدد , عشر سجاير يومياً لكلٍ منا , بل والكتاب الوحيد الموجود في الموقع مما اضطرني لقرائته وهو بعنوان ” الكتاب الأخضر” والمفترض ان كاتبه هو صاحب ” النظرية العالمية الثالثة ” العقيد المزمن معمر القذافي , كل ذلك بمجمله كان خراءً بخراء .
في فترة الإنتظار تلك كان تقرّبي الأول من الله والذي جاء صدفةً وبشكلٍ مباغت دونما أية تمهيدات أو إرهاصات إن فكرية أو روحيّة وذلك إثر تعثّري أثناء إحدى مسيرات اليومية والعشوائية بمزار وليٍّ من أولياء الله الصالحين يدعى الشيخ حسن . غرفةٌ صغيرةٌ على تلةٍ صغيرة هي الأخرى ونائيةٍ وإن كان قريبة من شارع ريفيٍّ شبه خالي في أغلب الأوقات يعلو سقفها قبّةٌ خضراء متواضعة وفي وسطها قبرٌ حجريّ محفورٌ عليه إسم صاحبه الشيخ حسن مع بعض الآيات القرآنية ومغطّى جزئياً بقماشٍ حريريٍ أخضر اللون فاخر تفوح منه رائحة الرهبة والتقوى ( تبيّن لي بعدها أنها رائحة البخور الذي يحرقه المتبرّكين به أثناء زياراتهم لقبره ) . القماش الحريري الأخضر كان بالأحرى يغطّي أرجاء الحجرة ذات المساحة 3
x3م ذات الجدران الإسمنتية من ثلاث جهات وأما الجهة الرابعة فمسوّرةٌ بسياجٍ حديديٍ هو عبارة عن قضبانٍ متقاربةٍ تمتدّ طولياً حتى تلامس السقف ويلاصقها من الجهة الداخلية نصف حائطٍ من الإسمنت ينتهي بحافةٍ خضراء هي الأخرى وعليها عشرات الشموع نصف المحترقة . ما لفت نظري وأثر بي ضمن هذا المشهد كان مرأى عشرات القطع النقدية والورقيّة المبعثرة وفوق ضريح الشيخ الجليل تغمده الله برحمته وحشره مع الصدّيقين . فغرت فاهي دهشةً كما يقول الأدباء لهذه الرؤية الصادقة وكذلك فعل رفيقي في المسير ثم ما لبثنا أن ثبنا إلى رشدنا بعد هنيهة وبادرنا للتصرف العمليّ بسرعةٍ ووقار للحيازة على هذا الكنز الذي أرسله الله لنا وتذكّرت الآية التي تقول ” ذِكرُ ربّكَ عبده زكريّا ” . وكان أن جاءني الإلهام سريعاً على شكلِ فرع شجيرةٍ صغيرٍ ومورق قطعناه من شجرةٍ مباركة ومددناه من بين القبضان الحديدية وكنسنا به كل ما وقع عليه بصرنا ووصلت إليه أداتنا نحو نصف الجدار مرصوف الحافة بالشمع المحترق جزئياً ثم مددنا أكفّنا وتناولناه بيسرٍ حتى تجمّع لدينا ثروةٌ تقارب الستين ليرة لبنانية ( حوالي 20 دولاراً حسب تسعيرة ذلك الزمان ) . عددناها وشكرنا الله وترحمنا على روح الشيخ الجليل ثم غذذنا السير مسرعين نحو بلدة شتورة القريبة منّا حيث ألتهمنا سندويشتي شاورما متخمتين واشترينا علبة مالبورو فاخرة لنغسل بها طعم سجائر الططلة المحلية المليئة بالقطع والنثرات الخشبية . ثم اشترينا 6 علب من بيرة الهينيكين الألمانية نطفئ بها ظمأنا الذي طال على يد عارف هدروس وتقاسمنا ما تبقّى من أموال المغفور له الشيخ حسن وطفقنا عائدين غانمين نحو قاعدتنا . توقفنا قبيل وصولنا إلى جانب حقل قمح وجلسنا على الأرض كالمتصوفين الزاهدين نشرب البيرة وندخّن معظم علبة المالبورو آوينا بعدها إلى مقرنا مفعمين بالنشوة الروحية . 

غسان أبو العلا
15/3/2015

جهاد اللواط - صفحة من كتاب الخديعة



شدني بيمناه نحوه , كمن يحاول مصارعتي ممازحا , صارعته بدوري , ممازحاُ ايضاٌ , وإذ بيسراه تتسلل اسفل معدتي , مخترقةٌ بنطالي و  لباسي الداخلي , لتتحسس ذكورتي  صعقت و دفعته بشده وإنما بالحد الأدني من العنف الذي تجيزه حقيقة انه قائد القوة البحرية التي انا احد ضباطها . أدهشتني وقاحته إنما لم يفاجئني شذوذه فقد كان سراً معلناً يعرفه الجميع فأغلب كوادر حركة فنح في لبنان وجزءٌ كبيرٌ من أعضاء دورتنا بل وقيادة الساحة اللبنانية إضافةً إلي قيادة القوة البحرية المركزية كانوا يعلمون بهذا الأمر إضافةً إلى أنه كان في السبعينات قد فُصل من أحد الدورات في روسيا ثم  سجن وطرد من الحركة بسبب إتيانه اللواط وكان يومها أحد المحققين معه زكي الناصح احد قدماء الكوادر والمتواجد في عين الحلوة منذ عشرات السنين والمعروف عنه أنه إذاعة متنقلة للإخبار وأجزم أن لا احداً يعرف زكي الناصح ويجهل هذه المعلومة عنه  لكنه عاد بعدها "بقدرة قادر" إلى الحركة ونُسّب الى دورة الكلية البحرية في كراتشي , الباكستان منتصف  العام 1978 .
   .. قلت موضحاً:  انا مختص بالنساء ,  رفع كفه نحو أنفه , إشتمها بشبق , ثم قال بتهدج محاولا التغطية على حرجه بصفاقته : ألا تستحم يا رجل !؟ كان الصيف طاغٍ و الرطوبة على درجة عالية  . كأيٍ من المدن الساحلية على المتوسط , صيدا مدينة متشبعة بالرطوبة . العام 1989 حزيران و الصيف شديد الحرارة , و الرطوبة إستثنائية الشدة _ حتى بالنسبة لصيدا _ ثم أنني لم أحسب حساب ان تصل يد سيادته هناك !  ,صمتَ هنيهة , ثم غادر حجرة الأستقبال نحو احد الحجر الداخلية دون أن يدعونني للجلوس  ثم عاد بعد دقيقتين حاملا بضعة اوراق مالية بيده , كانت تلك هي مهمتي الشهرية كضابط , ناولني إياها وهو يقول : 
_ لم انت في عجلة للحصول على مهمتك ؟
_ هل صرفت مخصصك الشهري بهذه السرعة ؟
 قلت ساخراً : لا يجد المرء الكثير من المعاناة في صرف مئة دولار , حين يكون قد امضى الشهر الفائت مستديناً . قال بأسلوب من يلقي بحقيقة توصل إليها بعد تفكير عميق :
_ على المرء ان يقسم دخله إلى ثلاثة أقسام , ثلثٌ لمصاريف اكله و شربه وثلثٌ للباسه , و ثلثٌ ثالث يدخره للمستقبل .
تبسمت ، كان ذلك منطقيّاٌ وعمليّاٌ فقط إذا تعلق الأمر بثلاثة اثلاث دخلٍ كدخله هو ! كان  ذلك هو النقيب ( آنذاك وهو الآن برتبة عميد )  اكرم  احمد هواري , قائد القوة البحرية , التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الساحة اللبنانية , مربوع القامة متين البنية , تخلو ملامح وجهه من اية تعبيرات , كمثل مقامر محترف , صارم , مثابر , على درجة من الذكاء , سريع البديهة , يحترف الرصانة و يتعمّد الغموض , بل يهوى السريّة قولاٌ و عملاٌ , . كان يقول ان الشخصية الغامضة هي الشخصية الأكثر إثارة للجدل .  ولإن كان حرصه على السر و الكتمان ذا فائدة جلية في العمل العسكري , فأنه كان باهر النتائج على صعيد نشاطاته الشخصية ! كانت المقرات و المواقع التابعة له اشبه ما تكون ببلاط القيصر الروسي أيام راسبوتين , جوٌ من الغموض والتربص , مشحون برائحة الشذوذ والجنس والتأمر .  العلاقات التنظيمية مبنية على أساس رغباته الشخصية .  يقرب فلانا او علانا , لإغاظة آخر ¸ثم يعود بعد أسابيع ليبعد المقرب ويقرب المبعد على طريقة ناديا الجندي في أغلب أفلامها .  
واذكر أنني يوما جئت إلى المكتب وإذ أحد غلمانه ( اسمه الحركي ابو ماجد ولم اعد اذكر اسمه الحقيقي ) كان يكتب له على اللوح الموضع بغرفة الإستقبال بيت من الشعر الرومانسي يقول : إذا انت عاتبتَ الملولَ كإنما .. تخطُ على صفحةٍ من الماء أحرفا .. هبهُ  اروعى بعد الخصامِ ألم .. تكن مودته طبعاً فصارت تكلّفا !
 يحضرني هنا حديثٌ مع المرحوم العقيد أبو فادي مهاجر جرى العام 2003 وكنت وإياه يومها نشرب الشاي في حجرة الإستقبال في مكتب جهاز التسليح بينما أكرم في مكتبه في الغرفة المجاورة يلعب الشدّة على الكومبيوتر وكان " علي العراقي " اليافع الأملط وآخر غلمان اكرم قد غادر المكتب للتو فقال لي مهاجر :- شو كنّو اللي فيو عادة ما بيبطلها ؟ كنو هادا بينيكو ؟ فأجبته : - انت أدرى . كان جوابي جافاً كوني كنت أعلم ان مهاجر كان احد اشد المدافعين عن اكرم بل أنه زادني من الشعر بيتاً بعد ان سألني عن هذا العلي العراقي قائلاً : بتعرف , صحيح هوي هيك , بس شاطر بشغلو , وانا اللي زكّيته عن سلطان أبو العينين ليعيّنه قائدا لجهاز التسليح ! .

بعد صراعٍ طويل داخل القوة البحرية في لبنان ( سآتي على تفصيله لاحقاً ) استقرت القوة البحرية على خمسة ضباط إضافة إلى أكرم نفسه وذلك بعد أن التحق النقيب جمال كايد ( الآن برتبة لواء )  بقوات ال17 حيث أسس كتيبة بقيادته والتحق النقيب المرحوم محمود زكي إلى جهاز " المنطقة الوسطى " والذي كان على رأسه  المرحوم اللواء كمال مدحت الذي أغتيل لاحقاً في آذار 2009 بلغمٍ زرع على مدخل مخيم المية ومية  في إطار صراعٍ داخلي على السلطة والمال في حركة فتح .  النقيب جواد جادالله اختار منذ البدء ان يشكّل وحدة عسكرية لا علاقة لها بالقوة البحرية . الضباط الباقون في البحرية كانوا النقيب ثائر حجو والنقيب غسان طايش والنقيب علي الخليل والملازم أول عمر تركية وانا ثم التحق بنا لاحقاً النقيب نبيل غنيم .

كان للقوة البحرية موقعان عسكريان يقعان في قريتين مسيحيتين فارغتين من أهلهما ومهدّمتين ( بفعل الحرب الأهلية ) هما القريّة والمية ومية  وفيهما يداوم الجنود الإعتياديون الذين إلتحقوا بالقوة البحرية ( ومنهم أخي ياسر ابو العلا ) ويتعرضان يومياً لخطر الغارات الجوية الإسرائيلية التي كانت تُشنّ على مواقع الحركة بوتيرة شبه يومية , اما المقرّ الثالث فكان شقةً تقع في مبنى محمي بسكانه المدنيين فلسطينيين ولبنانيين ( فالغارات الإسرائيلية نادرا ما كانت تستهدف مواقع مدنية ) وكانت هذه الشقة مخصصة لمكتب أكرم وبضعة من الغلمان الوسيمين سأذكر أسمائهم لاحقاً والذين كان يقضي معهم شهوته مستغلاً نفوذه وأموال " موازنته التي كانت أحيانا تبلغ عشرات الألاف من الدولارات شهرياً . من الطريف انه رغم كون مكاتب حركة فتح معروفها بإنها عادةً ما تعجّ بشاربي الشاي والقهوة والزهورات كإية ديوانية فإن مكتب أكرم هو الوحيد الذي لم يوظف شخصا لعمل الشاي في يوم من الأيام حتى لا يتلصص عليه مداعبا غلمانه أو إلى ما هنالك  . هؤلاء الغلمان كانوا نوابه  القيّمين على مستودعات التموين والوقود والزوارق المطاطية والسيارات بينما كان الضباط لا يمونون على علبة لحمة او علبة سردين ولا يعلمون عن مصير الموازنة الشهرية سوى الخمسين دولاراً التي كان يتعطّف على كلٍ منا بها على شكل "مهمة " وسأعود إلى موضوع " المهمة " إضافةً إلى شقيقتها " الموازنة " في أكثر من موقع في هذا الكتاب كونهما يشكّلان معاً مصفاة للمناضلين الشرفاء – وهم قلّة – ثم الأقلّ شرفاً وهكذا صعوداً إلى رأس الهرم التنظيمي فلا يبقى فيها إلا المتزلفين الأكثر مهارة واللصوص الأكثر غنىً  والقادرين بالتالي على شراء ولاء هؤلاء المتزلفين وذممهم .

 المشهد المعتاد في مكتب رئاسة القوة : يُستدعى الجندي ابو حديد واسمه الحقيقي احمد فرعتاوي  (كبير غلمانه ) أو أيٍ من الغلمان الآخرين إلى مكتب الأخ قائد القوة البحرية في الحجرة الأخرى لمناقشة أمرٍ خطيرٍ ما ( عادةً ما يكون تسليمه مهمته أو هبة مالية اخرى أو تذكيره بأن لا يضع في حصّة الملازم اول غسان ابو العلا التموينية من اللحوم سوا الجلاميط !ويُغلق الباب بالمفتاح من الداخل على مسمع ومرأى الحضور الذين يبدون غير مبالين, لفترة قد تطول أو تقصر حسب خطورة " الموضوع " ثم تفتح الأقفال ويخرج المناضلون وفي عيونهم فلسطين والقدس والمسجد الأقصى . يمنع عن أيٍ كان أن يخبر الآخر عن حجم مهمته او مدى الحد الذي يقبل به من التحرش الجنسي من القائد وهذا الحد يترواح بين المداعبة والقبل حتى الجنس الفموي . الجنس الكامل مع الإيلاج كان يتمّ فقط في منزل أكرم فالرجل بحقّ متحفّظ!

أذكر أننا في العام 1988 طلبنا لقاء المرحوم ابو ياسر ( عبدالمعطي السبعاوي ) نائب قائد الساحة اللبنانية وقتها واجتمعنا به ذات مساء انا وجمال كايد وثائر حجو ومحمود زكي وأخذنا معنا كشاهد جندياً كان أكرم قد تحرّش به جنسياً وطالبنا بعزله من قيادة البحرية كونه يستغل سلطته لتحقيقة شهواته الجنسية فقال لنا ابو ياسر بالحرف الواحد : والله العظيم إنو إنتو المنايك مش اكرم .. يعني ما بتستحو واحدكو قد الحيط وجايين تقولوي إنو منيك بدل ما تحلّوها إنتو وبعدين تيجو عندي ! كان لدى أبو ياسر طريقة وحيدة للتعامل مع خصومه : طلقة في الرأس ثم يوضع الخصم في صندوق سيارته المركونة إلى جانب طريقٍ فرعيٍ ما أو يدفن في جبل الحليب جنوب مخيم عين الحلوة إن لم يكن يملك سيارة وهذا ما كان يلمّح إليه بجملته تلك . لم يكن بيننا قاتل وكان أكرم متحالفاً مع علاء الأفندي قائد الساحة ومعه يقتسم اموال  موازنة القوة البحرية فكانت القوة البحرية وغلمانها من نصيبه وسبحان العاطي .

الحق , لم يكن ينقصنا في القوة البحرية سوى بعض الخصيان الذين يطوفون حول قائدها أكرم هواري ( الذي اختار لنفسه اسم حركياً هو الشيخ أكرم! ) لنصبح صفحةً من صفحات رواية ألف ليلة وليلة .  

غسان أبو العلا
10/1/2015 

باني سوريّا الحديثة .. وأفرانها - صفحة من كتاب الخديعة


قد تكون سوريا هي المكان الوحيد في العالم الذي تجد فيه مخبزا يطلق عليه في الألفية الثالثة اسم " المخبز الآلي " هذه التسمية " الإحتفاء " هي نموذج عن الخطاب الرسمي السوري . وعلى المواطن ان يكون فخوراً بإنجازات الرئيس القائد " باني سورية الحديثة " , و المكننة هي من اهم مؤشرات الحداثة , فقط لم ينتبه مدراء التسويق الإيديولوجي البيروقراطيين _ ربما بحكم العادة_ أن المخابز الآلية لم تعد مدعاة فخر و اعتزاز بل ان العجن الآلي هو المتبع حالياً حتى في مجاهل افريقيا . بنفس الطريقة دأب الإعلام السوري على التغني بالمواجهة والصمود حتى في اشد ساعات النظام حلكة و احطّها انهزاما و إنكسار . فحين خرج اللواء 82 المتروك لمدة ثلاثة اشهر تحت الحصار في بيروت , والذي لم ينجح في الإفلات من عنق الزجاجة إلا كتفصيل من تفاصيل إتفاقية جلاء القو ات الفلسطينية جرى إبرامه مع القوات الغازية , ورغم ان اللواء المذكور كان عليه ان يمر مخذولا عبر بوابات و معابر ونقاط تفتيش ومراقبة اقامها الإسرائيليون على طول الطريق المؤدية من بيروت إلى البقاع , فقد نظم له إستقبالا شعبياً و رسمياً حاشداً على معبر المصنع الحدودي بين لبنان و سوريا و خلدت " صولاته و جولاته " بل و " انتصاراته " في الأدبيات البعثية الرسمية . نفس الإستقبال و اكاليل الغار و حفلات الزار نصبت لألوية أخرى فرّت بقرار مذعور ومرتبك في : .... بعد أن ايقن النظام ان الولايات المتحدة تعني ما تقول بخصوص إنسحابه وإلا ! . كان على رأس المنسحبين رستم غزالة , رئيس جهاز الإستخبارات العامل في لبنان و رجل المهمات القذرة الذي استقبل إستقبال الأبطال في منطقة المصنع على مشارف دمشق و رفع على الأكتاف وسط صيحات : بالروح ..بالدم .. نفديك يا بشار .
على منوال " المخابز الآلية " تلك , كانت ماكينة الأعلام السورية لا تزال ترفع شعار " حتمية إنتصارنا " في نضالنا ضد الصهاينة بموآزرة " حلفائنا في المنظومة الإشتراكية و على رأسهم الإتحاد السوفياتي الصديق " في عزّ أزمة الوجود و إرهاصات الإنهيار على تخوم هذه المنظومة " المنظومة " وتفتّت لُبناتها في بولندا والمانيا الشرقية . ثم كان السقوط الكبير و انفرط عقد الإتحاد السوفياتي بينما كانت أخبار تحديث اهراءات القمح في حمص و تطوير قدراتها الإستيعابية تتصدر الصحف السورية جنباً إلى جنب مع اخبار فقدان الإسمنت السوري من الأسواق و بيعه بأسعار مضاعفة في السوق السوداء . كان هناك ايضاً أحاديث عن " الإنتصار الحتمي " إنما دون ذكر ل"المنظومة الاشتراكية و على رأسها الإتحاد السوفياتي الصديق " . هكذا ببساطة تنقلب كل الركيزة الخطابية و مفاهيم التسويق الإيديولوجي دونما اي تبرير او قراءة نقدية او حتى إعتذار , و يمرّ الأمر كأن شيئا لم يكن .
بعد الإنهيار السوفياتي أُعلنت روسيا الإتحادية وريثة شرعية لديون و مستحقات الدولة السوفياتية وبدأت لاحقاً الوفود و الوفود المضادة السورية الروسية تتبادل الزيارات و اللقاءات التي كانت " حسب الإعلام السوري " تتناول المصالح المشتركة و القضايا التي تهمّ البلدين , و هي الديباجة نفسها التي استخدمت لوصف جميع الزيارات الرسمية السياسية و الدبلوماسية الطابع التي شهدتها سورية خلال ثلاثين عاما من عمر النظام الاسدي . في الواقع , كانت اللقاءات السورية الروسية تتناول الديون السورية المستحقة لروسيا والبالغة 16 مليار دولار ( إضافة إلى 5 مليارات اخرى مستحقّة لالمانيا الشرقية و المجر و بلغاريا وباقي الدول الاروبية الشرقية ) موّلت بمعظمها صفقات اسلحة و ملحقاتها من " هدايا " وعمولاتٍ و رشاوى . وهذه ارقام هائلة لحجم الدين العام على ضوء حقيقة ان دخل الفرد في سوريا لا يكاد يتجاوز حافة ال 1000 دولار سنوياً .
يتضرع المتدينون المسيحيون إلى الرب في صلواتهم اليومية أن " أعطنا خبزنا كفاف يومنا " والخبز في صلواتهم هو طبعا كناية عن الرزق بشكل عام , في سوريا السبعينات و الثمانينات – و حتى التسعينات و إن بدرجة اقل – كان كفاف يومٍ من الخبر يعدّ كابوساً يوميّاً بالمعنى الحرفي لأرباب الأسر , ليس بسبب سعره الذي كان زهيدا حيث ان الدولة كانت تدعمه , بل بسبب ندرته التي تسبب بها هذا الدعم نفسه . فسعر رغيف الخبز في عرف منظري البعث الايديولوجيين هو مقياس لمدى نجاح تطبيق الاشتراكية في الدولة و المجتمع فالخبز هو السلعة الرئيسة التي يتم الحديث عنها في المنشورات الحزبية و التنظيرات الصحفية الساذجة . لذا كانت الدولة تشتري الطحين بأسعار الأسواق السائدة ثم تقوم ببيعه وفق كوتات معينة لأصحاب الأفران بأسعار زهيدة بشكل كبير بحيث أصبح بإمكان اصحاب الأفران جني ارباح اكبر عن طريق إعادة بيع الطحين في السوق السوداء بين من خبزه و بيعه في أفرانه وفق تسعيرة وزارة التموين و في نهاية الدورة الإقتصادية لهذه السلعة كان القسم الأكبر منها هذه " الهبة " الحكومية لجموع العمال و الفلاحين يتكدّس في مخازن يمتلكها كبار ضباط الجيش و الأجهزة الأمنية لكي يعاد بيعه في الأسواق المجاورة , الاردن والعراق و لبنان خصوصاً . والنتيجة على رب الأسرة ان يصحو ساعتين قبل موعده لكي يتسنّى له الوقوف باكرا في الصف الطويل _ لم يكن صفاً إنما جموعاً محتشدة غالبا _ امام مخبز الحيّ في محاولة _ لا تتكلّل دائماً بالنجاح _ لتأمين خبز عائلته كفاف يومها بل ذهابه إلى العمل . ما يقال عن الخبز , يمكن إسقاطه على بقية السلع الأساسية – المدعومة هي الاخرى – كالرز و السكر و السمن الذي كان التمكن من شراء عبوة كيلو منه يعد قضية تستحق التهنئة .

بين إقتصاد الخبز المدعوم و ايديولوجيا " حلفائنا في المنظومة الإشتراكية " اطبقت أجهزة الأمن قبضتها الحديدية على الدولة و السكان بعنفٍ منقطع النظير وأُعلنت الأحكام العرفية و أُوقف العمل بالدستور و جرت مصادرة الحريات السياسية و الفكرية وأكتظت اقبية مقرات الأجهزة الأمنية بعشرات الآلاف من المعتقلين بدون محاكمة او حتى تهمة مُعلنة او أذون من النيابة العامة . كانوا مختطفين أكثر منهم معتقلين . مجموعة من المسلحين الذين يرتدون الالبسة المدنية تطرق باب البيت في ساعات الصباح الأولى قبيل الفجر تماما , حيث يكون الناس بغالبيتهم في سبات , ليصبح رب ا لدار ا و احد ابناءه في اليوم التالي معتقلاُ امنيا في جهة مجهولة و لفترة مجهولة و تهمة غير معلومة . ثم تبدأ علمية البحث الطويلة و المضنية و المكلفة ماديّاً . و البحث هذا لا يطمح لأكثر من معرفة الجهة الأمنية الخاطفة التي لم تعرف عن نفسها يوم استدعت المطلوب ودعته إلى" فنجان قهوة" . وفنجان القهوة هو من علامات الضيافة العربية الذي اصبح الذيمة العجيبة المستخدمة من عناصر القوى الامنية التي تقوم بالمداهمات : تفضل معنا عازمينك على فنجان قهوة . و يغيب الضيف سنوات طويلة . أحيانا , أذا ما امتلكت اسرة المعتقل ما يكفي من المال لدفع الرشاوي كانت تتوصل إلى معرفة " سبب " الإعتقال .
في أقبية الإستخبارات تلك دار افظع ما يمكن تصوره من عمليات التعذيب الجسدي و النفسي و بأدوات و ألات اطلق عليها رجال التحقيق اسماء مثل " الكرسي " و " الدولاب " و " بساط الريح " فأصبح مجرد ذكرها على أسماع السوريين يثير في نفوسهم هلعاً تنخلع له قلوبهم و ترتعد فرائصهم . و كان أن عمّ الرعب و الخوف و سيطر على الناس ما يشبه الخنوع .

غسان أبو العلا
7/10/2014


عن الكفاح والنضال واللصوصيّة والعمل الفدائي وأشياء أُخر - صفحة من كتاب الخديعة




عندما تخرّجت من الأكاديمية البحرية الباكستانية أواخر العام 1981 كنت واحداً من دفعةٍ تعدادها 25 ضابطاً وسبقنا إلى التخرج 25 ضابطاً آخرين ومثلهم كانت دفعةٌ ثالثة قد ألتحقت بالأكاديمية بعد إلتحاقنا بستة أشهر . كان في كراتشي عشرات الضباط وضباط الصف المتدربين في الكلية الجوية الباكستانية والمدارس التقنية العسكرية , ومثلهم عشرات الضباط في الكلية العسكرية . كما في الباكستان كان هناك المئات من تلاميذ الضباط التابعين لحركة فتح ( الفصيل المهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية ) في كثير من الدول كالصين وروسيا والهند وبنغلادش وبلغاريا والجزائر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا . كانت هذه المنح الدراسية العسكرية ( وألافٌ أخرى جامعية مدنية ) تتأتى من مصدرين أولهما الإتحاد السوفياتي ومنظومة حلف وارسو والتي كانت يومها منغمسةً في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة والدول الأخرى في حلف الناتو الرابضين على مخزون النفط الإستراتيجي في منطقة الخليج العربي وتسعى إلى مدّ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط أولاً عبر دول العسكرتاريا القومجية واليساروية مثل ليبيا وسوريا واليمن الجنوبي ومصر (قبل إنتقال السادات إلى المحور الآخر) وثانياً عبر منظمات عسكرية مسلّحة أغلبها فلسطينية وبعضها لبناني وكثيرٌ منها ينتمي عقائدياً إلى الفكر الماركسي اللينيني وكانت هذه المنظمات العسكرية المؤدلجة , وأحياناً الدول القومجية , هي أوراقُ ضغط إستراتيجية وفي نفس الوقت ذراعاً ضاربة غير مباشرة للمصالح والأهداف الغربية حين يحتدم الصراع الصامت بين القطبين الأكبرين . إضافة إلى مواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة كانت هذه المليشيات والدول العسكرتاريا سوقاً لمصانع السلاح السوفياتي وحلفائه في أوروبا الشرقية بحجمٍ بلغ عشرات المليارات سنوياً ناهيك عن عشرات المليارات الأخرى هي حجم التبادل التجاري من السلع والبضائع غير العسكرية وبالتالي كانت هذه المنح الدراسية العسكرية هي ناتج ثانوي 
Byproduct لهذه المعادلة السياسية . المصدر الآخر كان مدفوع الثمن من زعماء الدول النفطية العربية عبر الإبتزاز السياسي وأحيانا العسكري كما حصل مثلاً في العام 1975 يوم أقدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على أختطاف 11 وزيرا للنفط مع 70 شخصاً آخرين أثناء اجتماع للدول المصدرة للنفط (أوبك) في فيينا وهي العملية التي أشرف عليها وديع حداد ونفذها كارلوس مع خمسة أشخاصٍ آخرين . عدا ثروات الخليج كان هناك ايضا ثروات العراق وليبيا وزعيماهما السايكوباتيان الطامحان إلى المجد والعظمة . بينما كانت الدول الثورجية تهدر المليارات على حساب قوت شعوبها لبناء ترسانات عسكرية لن تستخدمها سوى بعد أربعين عاما وضد شعوبها بالذات كان زعماء المنظمات الفلسطينية المسلحة يستثمرون جزءاً من الأموال النفطية في بناء جيوشٍ خاصة تضمن إستمرار تدفق المزيد من هذه الأموال وتحمي في الوقت نفسه مصالحهم واستثماراتهم التي وضعوا فيها الجزء الأكبر من أموال النضال . وكلما أزداد حجم الأموال لدى أحد الزعماء أزدادت أيضاً سطوته ونفوذه وغالباً شعبيته المشتراة وزعامته المسوّقة تحت نفس الشعار الذي صاغته بروبوغندا الطغاة : تحرير فلسطين ومواجهة الهيمنة الأمريكية .
هذا الجيش الهائل من الضباط الإحترافيين لم يفلح في بناء جيشٍ قويٍ ومتماسك كما أراد له مستثمروه بل كان أشبه بإنتداب طلبة الثانويات إلى كليّات الطب في الدول الأوروبية ثم إرسالهم بعد التخرج إلى الأرياف حيث يقوم بعلاج العجول والأبقار والأغنام والداجن بإستخدام التعاويذ والعسل وحبّة البركة وبول البعير . ليس لدى أي من المنظمات الفلسطينية أية ضوابط أو منظومات قانونية تضبط التسلسل العسكري أو الإداري للصلاحيات والأوامر كما في الجيوش النظامية الأعتيادية كما أن النفوذ الذي يستمده الضابط من نفوذ المؤسسة العسكرية التي يمثلها ويحتاجه للقيام بمهامة منعدمة فالتشكيلات والمهام والتسلسل الرتبي يعتمد على الولاء الشخصي للقائد المباشر والقدرة على المداهنة كما على علاقات القربى والمصاهرة مع ذوي النفوذ ( كأن تتزوج إبنة المسؤول العام للمالية كأحد أصدقائي ) او أن يكون القائد العام للساحة اللبنانية هو زوج أختك ( كحال عبد معروف مسؤول إدارة منطقة صيدا واللواء سلطان ابو العينين ) أو مثلا أن تتزوج ابنة أخت جمعة اللئيم قائد القوة البحرية في منظمة التحرير الفلسطينية ( كحال أكرم هواري قائد القوة البحرية في لبنان ) . ثمة عناصر أخرى تحكم التشكيلات والتسلسلات العسكرية مثل المناطقية والمحسوبية والإستزلام والعنصر الأكثر تأثيراً هو إنعدام الشفافية المالية ومع عدم وجود لوائح تنظم الصرف المالي للمنتسبين ضباطا وصف طباط وجنود . صحيح ان هناك سلّم رواتب إعتيادي لكن الجزء الأكبر من الصرف ا لمالي يتم عبر ما يطلق عليه اسم ” المهمة ” وهي مبالغ مالية شهرية تصرف للضباط وأحيان لصف الضباط تقديرياً ويحدّد قيمتها القائد المباشر للضابط وهي تعتمد على الولاءات والعناصر المذكورة أعلاه فبينما كانت مهمتي مثلا في فترة من الفترات عندما كنت ملازماً أول 100 دولاراَ كانت مهمة قائدي وإبن دورتي النقيب يومها والمسؤول عن القوة البحرية في الساحة اللبنانية تتجاوز آلاف الدولارات . كانت الرواتب هزيلة دائما أما ” الركّ فكان على البراني ” على حد قول احد شخصيات مسرحية زياد الرحباني ” بالنسبة لبكرا شو ” والبراني في الحالة الفلسطينية يأتي على أكثر من شكل فعدا عن المهمة مثلاً هناك شيء إسمه الرسمي ” مساعدة زواج ” وحاله بالزبط كحال ” المهمة ” فعندما تزوجتُ في العام 1989 وتقدّمت بطلب مساعدة زواج وأرسل الطلب عبر الفاكس للمرحوم ياسر عرفات في تونس ووقّع عليه كاتباً : يُصرف حسب الأصول أراد مسؤول المالية منحي 300 دولار قائلاً أن هذه هي القوانين المالية المعمول بها وحين رفضت وذهبت للقاء المرحوم ” مهاجر ” قائد جهاز العمل خلف الخطوط ” وصاحب النفوذ قام بالإتصال بأحد ” القادة ” وذهبت بعدها وأستلمت 1000 دولار بدلاً من ال 300 المعروضة سابقا . بعد عامٍ تقريبا او اكثر قليلا تزوج النقيب أكرم هواري وكانت ” مساعدة الزواج ” السريّة له تبلع آلاف الدولارات مع سيارة مرسيدس 280 حديثة مهداة له شخصياً من قائد الساحة اللبنانية ” علاء الأفندي . هذه ” الهبات ” المالية ترتفع طبعاً كلّما أرتفع الضابط المعني في سلّم المحسوبيات وأقترب بالتالي من علية القوم وقاداته الكبار , فالمرحوم أبو حسن سلامة قائد الأمن الرئاسي والمسؤول عن أمن ياسر عرفات الشخصي تزوج في العام 1967 من اللبنانية جورجينا رزق الحائزة على لقب ” ملكة جمال الكون ” وهي من نخبة الطبقة الثرية في لبنان ويحتاج الشخص إلى صرف مئات الآلاف من الدولارات حتى يتسنى له أن يتعرف على مجتمعها ومحيطها العائلي ناهيك عن الزواج منها .
الفساد المالي والإداري ناهيك عن الفساد الأخلاقي جعل البُنى التنظيمية والإدارية أشبه ما تكون بالبنى التنظيمي لعصابات المافية في الأفلام الأميريكية حيث قائد العصابة” العائلة “ هو المسؤول المباشر عن كل أفرادها وفوق كل مجموعة من العصابات يقبع قائدٌ أكبر لقادتها وهكذا دواليك . الفيصل الأكيد في موقعك العسكري أو الإداري كما في حجم دخلك الشهري هو قدرتك على مداهنة شاغلي المواقع الأعلى ومدى إلتزامك بالمحسوبية وفهمك لتوازن القوى بين القادة الأعلى منك واصطفافك إلى جانب الطرف الأقوى بينهم . عدا ذلك فإن الهدف الأول للوصوليين الذين نجحوا في ركوب التيار ” النضالي ” وحلبه هو تحجيم بقية الضباط وضمان عدم وجود اين تسلسل رُتبي او عسكري وجعل الأفراد كلهم الذين تحت أمرتك يرون فيك مرجعيتهم الوحيدة وتقريب الإنتهازيين من الأفراد كالحرس الشخصي أو بواب مكتبك او العامل الذي يقدم القهوة والشاي ! نفوذا أكبر من نفوذ الضباط . خصوصا الضباط الذي ترى فيهم خطراً على موقعك أو منصبك , وبالتحديد نائبك . واذكر مثلا أن بواب العقيد خالد عارف ( حالياً سفير منظمة التحرير في البحرين ) والذي عملت تحت أمرته بضع سنوات قام بطرد نائبه ( برتبة مقدم ) والذي لم أعد أذكر اسمه ورفض السماح له بدخول مكتب عارف والجلوس على كرسيه بإعتباره نائبه وهو غير موجود والنائب لا مكتب له . وحين عملت في العام 2002 في جهاز التسليح تحت أمرة الرائد أكرم هواري وكنت أنا برتبة رائد ايضاً كان الشخص الأكثر نفوذا في الجهاز بعد أكرم ولدٌ عراقيٌ يافع أملط مرتزق كان يتخذ عملا مدنياً في النهار ويأتي في العصر والليل لينام في المكتب ويتلقى آخر الشهر راتبه من الحركة . وكان هذا الولد دافعاً للتخلّص مني من قبل أكرم هواري بعد أن حاولت وضعه عند حده وإفهامه إنني برتبة رائد ولست زميله أو رفيقه وإذا لم يستطع احترام رتبتي وسنوات نضالي فعليه أن يتوقع ما لا يسرّه . بعد أسبوعين من حديثي مع هذا الشخص ذهب أكرم إلى مخيم الرشيدية لإحضار رواتبنا الشهرية من المالية هناك وكان من عادته أن يترك راتبي مع ضابطٍ آخر يسكن في الموقع إذا لم أكن متواجدا حيث ان لا تاريخ محدد لصرف الرواتب . هذه المرة لم يترك راتبي بل أخذه معه إلى البيت وحين ذهبت إلى منزله للمطالبة بالراتب ( وكان من عادتي زيارته احيانا ) قال لي احضر إلى المكتب غدا وأسلمك أياه هناك , ولما قلت أني محتاج لراتبي الآن حيث كان قد مضى أكثر من ثلاثة اسابيع على موعده قال : بعطيك عشرة ألاف تمشي حالك فيها . ولما أصريت على استلام راتبي كله أفتعل الغضب وقام بتسليمي اياه . في اليوم الثاني إستدعاني إلى غرفته وقال : عليك أن تبحث عن جهازٍ آخر تعمل فيه فأنت غير مرغوبٍ بك هنا . كان ذلك منتظراً من لحظة أن قررت أن أضع حداً للصبي ” علي العراقي ” .
ثمة أسلوبٌ آخر يتبعه دهاقنة ” العمل النضالي ” في حماية مناصبهم ألا وهوي التجسس على مرؤوسيهم عبر الضغط ” المالي” عليهم وجعل كل فردٍ ضابطاً كان أو جنديا يتحول إلى مخبرٍ صغيرٍ لديه عبر نقل كل شاردة وواردة فترى فترى الناس جميعا مخبرين يتجسسون على بعضهم بعضاً متقربين من القائد بالنميمة , طامحين بلقمة من الوليمة . عام 2003 كنت أعمل في جهاز ” منطقة صيدا التنظيمية ” والتي كان أمير سرها العقيد خالد عارف المذكور قبل قليل وكان قد فرزني للدوام في غرفة الإدارة والمالية مع عبد معروف ( صهر اللواء سلطان ابو العينين قائد الساحة ) وأبو أشرف ( زوج بنت مسؤول جهاز المالية العام ) وطلب مني تلميحاً نقل كل ما يدور من حديثٍ هناك . لم أفعل ابداً كوني اعتبر هكذا امر عملاً دنيئاً ووضيعاً . دأب على التلميح ودأبت على التطنيش . ذات يوم كنت جالساً في مكتبه وكان يقبل بجانبه بوابه ( الذي سبق أن طرد نائبه) فقال له ممازحاً : أفهمه , افهمه . لاحقاً قال لي البواب أن عليّ نقل كل ما اسمعه إلى امين سرّ منطقة صيدا فأجبته أنا لست نذلاً ولا أستطيع أن اكون نذلاً فبلغه أن ذلك امرٌ فوق قدراتي . لاحقاً بدأ خالد عارف بإبعادي ومحاولة مضايقتي بالتضييق عليّ في مسألة التواجد الدائم في المكتب إضافة إلى تضييقات مالية إسوةً بزملائي بل وفي أحد المرّات هدّد بطردي من منظمة التحرير الفلسطينية .
بعد فترة وحين وجد أنه لا يمكن إستخدامي في مهامٍ وضيعة عاد وائتمنني على إدارة مخاطباته مع بعض قيادات المنظمة في رام الله وغزة والتي كانت تتم سراً ودون الرجوع إلى قائد الساحة اللبنانية اللواء أبو العينين , ارسل الآخير ضابطا ليخبرني أن علي أن أتجسس على خالد عارف وأزوده بنسخٍ عن كلّ المراسلات . كانت تلك نهاية الوهم وبداية الإنكشاف الكلّي للخديعة , وقررت أن أعتزل هذا الوسخ وأهاجر بأولادي إلى بريطانيا لأعيش هناك على المعونة الإجتماعية تاركاً خلفي زملاءَ وصوليين أثرياء أحدهم قائد ورفيق دربي أكرم هواري الذي يمتلك شقتين في ضواحي صيدا ومبنى ضخم مكون من ثلاثة طوابق أقيم على أنقاض بيت متواضعٍ لي لم يكتمل بناؤه كنت قد بدأت بإنشائه قبل عدة شهور على أرضٍ مشاع في منطقة بستان اليهودي في عين الحلوة بعد أن أقنعني أنه سيعطيني مقابله شقةً في مبناه . لاحقاً كان نصيبي من هذا المبنى 1000 دولار أخذتها على مضض لإنني كنت مفلساً .


غسان أبو العلا
5/1/2015
  

قبقاب ياسين وشعبة السلفيّين

تعتبر جدتي لأبي رحمها الله من رواد ما يطلق عليه حاليا اسم تلفزيون الواقع او التلفزيون التفاعلي وهو ما يشكل حاليا قطاعا اساسيا من قطاعات الصناعة الترفيهية بحجم يتجاوز مئات المليارات من الدولارات ويقوم مبدأ هذه الصناعة على فكرة منح المشاهد القدرة على التأثير في مسارالبث التلفزيوني بدلا من الإقتصار على المشاهدة السلبية إن عن طريق الريموت كنترول او إرسال المسجات في برامج ذائعة الصيت مثل \"الأخ الأكبر\" او \"شاعر المليون\" أو \"ستديو الفن\" إلى ما هنالك من مئات البرامج التي تقوم فكرتها الأساسية على تصويت المشاهدين. فأنت تستطيع بمجرد ارسال رسالة نصية ان تحقق حلم احدهم بالثروة والنجومية او أن تحرمه منهما وفي كلا الحالتين ستقوم أثناء ذلك بإضافة بضعة ليرات إلى حساب رامي مخلوف او مازن عباس أو اي من القطط السمان الاخرى وذلك حسب الوطن الذي \"تتمتع\" بالإنتماء إليه.
تعود الإرهاصات الأولى لتلفزيون الواقع إذن عند جدتي وقد كان اسمها زهرة ويعني ثمرة القرنبيط بلغة أهل الجليل الأعلى في فلسطين وليس الوردة إلى زمن الأبيض والأسود في سبعينات القرن الماضي وبالتحديد مسلسلات غوار الطوشة أي قبل أختراع اجهزة الهاتف النقالة وتقنية الرسائل النصية وكانت يومها تتفاعل مع هذه المسلسلات بطريقة الخطاب المباشر الموجه للممثلين او المشحّرين وهو ضمير المخاطب عندها وكان خطابها يرتكز على كشف ألاعيب غوار الطوشة لبدري ابو كلبشة او لحسني البورظان فتسمعها تصرخ بأبي كلبشة : لاك يا مْشَحَّر هاد قبقاب غوارمش قبقاب ياسين. أو تقول لحسني لاك يا مشحر أوعك هاد مقلب من غوار. او تشارك بالتأثيرات الصوتية فتردد عند كل قتلة ينالها ياسين بقوش من ابو عنتر: أكلها المشحّر اكلها!. ثم اتسع نطاق نشاطات جدتي زهرة مع نمو القطاع التمثيلي وطاول كل اشكال المسلسلات والأفلام بدءا من \" الجوازة ديه مش حتّم\" وصولاً إلى \"السر الرهيب\" و\"أنا مش أبوك..أنا امك\" وتنوعت إرشاداتها وتنبيهاتها للمثلين المشحرين بتنوع التأليفات والبنى الدرامية وأستطيع الجزم وبكل تواضع ان جدتي زهرة قد ساهمت في الكشف عن أغلب الحبكات الدرامية للمسلسلات في زمنها فلقد بشرتنا مثلا منذ الحلقة الأولى لمسلسل \"الجوازة ديه مش حتّم\" بأن البطل يتزوج البطلة في آخر حلقة وزفّت إلينا عند نهاية الحلقة الأولى من مسلسل \"انا مش ابوك انا امك\" أن البطل يكتشف في الحلقة الأخيرة ان ابوه الحقيقي هو جدته وأن إبنة أخيه هي في الواقع ابن خال العمدة وإن خالته هيي في الحقيقة عمه وأن زوجة إبنه هي اخت المخرج بالرضاعة ولكن كشوفاتها تلك لم تؤثر على رغبتنا في مشاهدة تلك المسلسلات حيث ان المحطات التلفزيونية لم تكن في تلك الأيام تعتمد على عنصر التشويق لجذب المشاهدين بل ببساطة على واقع انها المحطات الوحيدة المتاحة في بلدها.
مضت العقود وتوالت العهود واستخلف النمرود نمرود وأُخترع الحاسوب والهاتف النقال ثم تلاههما الإنترنت والجبهة الوطنية العريضة والحاجّة وصال وصار العالم اضيق من ضيعة يبرود وأعلن القذافي الزحف الأخضر وقام بتسليم السلطة في ليبيا للجماهيروغني عبد الحليم حافظ اغنية موعود وانهار جدار برلين وتحطمت الستارة الحديدة وسُحل نيكولاي تشاوتشيسكو وحرمه العنود وقصف الرادار السوري في جبل صنين ودمرت في البقاع \"بالطائرات\" شبكة الصواريخ المضادة للطائرات وحلق نسور الجو الإسرائيلي فوق قصر الشعب على مرأى من زغاليل سرايا الدفاع وأضحى مصطفى طلاس ثعلب الصحراء شيفاً ورُسّم بشار فريقا ولقّب ماهر بذي القرنين لبراعته في فنون الحرب وطّوّب رامي مخلوف قديساً شريفاً عفيفاً وكدّس آل الوحش في ارصدتهم البنكية مئات حقوق الرد ومليارات الدولارات وخرج رستم غزالي خروج الفاتحين من لبنان ونزع غوار الطوشة طربوشه وصار محللا استراتيجياً يشار له بالأصابع ولولا أن يُقال سجعَ عكرمة لقلت بالبنان.
في غمرة الإكتشافات والإبتكارات والإجتراحات والتطورات إنفرد ثابتان اثنان بالرسوخ والثبات رغم انف المتغيرات. الثابت الأول كان إصرار غالبية المخابز الآلية الحديثة في سوريا على الأحتفاظ بإسم \"المخبز الآلي الحديث\" رغم كونها قد فقدت حداثتها منذ عصور ورغم أن صفة \"الآلية\" صارت هي الصفة السائدة لمجمل أنماط الإنتاج والصبغة العامّة لكافة النشاطات الإنسانية على مستوى العالم وبالتالي اصبح وصف الشيء بالآلي شبيهٌ بوصف المرأة بالأنوثة او الرجل بالذكورة بإعتبارهذه الصفات اموراً مفروغاً منها وتأتي من باب لزوم ما لا يلزم كأن تقول صرحت السيدة الأنثى بثينة شعبان او هدّد الشيخ الذكر احمد حسون.
الثابت الأخر هو اصرار أجهزة آل الوحش الأمنية على استخدام اسلوب غوار الطوشة في فبركة المؤامرات والذي تكرر مئات المرات حتى بات غير قادر حتى على خداع جدتي زهرة ناهيك عن بدري ابو كلبشة فما بالك بجيمس بوند وديتليف مليس ودانيال بيلمار او حتى لجنة المراقبة العربية وتعتمد الخطة الجهنمية لغوار على عنصر واحد دائم ثابت ألا وهو دسّ فردة قبقاب ياسين بقوش أو حسني البورظان في كل الأمكنة التي كان يقوم فيها بجرائمه وهو ما دأب جهابذة هذه الأجهزة الدهاة على القيام به بعد استبدال قباقيب ياسين وحسني بقباقيب الموساد والسي آي ايه المصنوعة في حلب واضيف لاحقا إلى القائمة قباقيب القاعدة.
أن وقوف الأجهزة الأمنية السورية بالأمس القريب خلف الحملة المنظمة لضخّ الآف المتشددين الأسلاميين من كافة الدول العربية إلى العراق والعمل على تأمين الدعم اللوجستي والأمني ولعب دور الحاضنة وتأمين العمق الإستراتيجي لهم على مدى سنوات هو امر لا يخفى حتى على المالكي ووجود شُعب أمنية خاصة بالتنسيق والتحكم وإدارة شؤون هؤلاء السلفيين شبيهة بفرع فلسطين المُنشأ اساساً \"لإدارة\" شؤون التنظيمات العسكرية الفلسطينية التي بنتها هذه الأجهزة واستخدامهم وفق المصلحة \"القومية\" هو أمرٌ متفق عليه ومن المعروف للقاصي والداني ان علاقة النظام السوري بتنظيمات اصولية مثل فتح الإسلام وجند الشام وعصبة الإنصار ليست إلا استنساخا للعلاقة نفسها مع تنظيمات فلسطينية مثل الصاعقة والقيادة والعامة وفتح الإنتفاضة اي أنها علاقة الأبوة البيولوجية غير الشرعية وهي بالتالي اسرارٌ معلنة واللعبة التي يصرّ كتاب الدراما لدى النظام الأمني في سوريا على تكرارها لا تنطلي على أحد.
إن القباقيب التي دسها النظام السوري بعيد آلاف التفجيرات في العراق وتلك التي دسها في تل الزعتر ونهرالبارد وعين الحلوة وعشرات بل مئات القباقيب المدسوسة عند كل إغتيال سياسي قام به في لبنان منذ كمال جنبلاط وسليم اللوزي وصولاً إلى رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم وكثرٌ أخرين ممن تعلمون وممن لا تعلمون لن تفلح في تغطية الحقيقة التي بات يعلمها الجميع وهي ان هذا النظام البشع قد بلغ من الشراسة والدموية ما لم يبلغه أقسى عتاة التاريخ وأن ضخامة جرائمه وكثرتها لم تدع له من خيارٍ سوى خيار شمشون وما تفجيرا دمشق اللذان أقدم عليها النظام أمس إلا مشهدان عاديان يضافان إلى أهواله التي تشيب لها الولدان ولكن استبسال أهل الشام في درعا وحمص ودمشق وجبل الزاوية الأشم يؤكد ان هذا النظام قد بات على قاب قبقابين بل قاب قبقابٍ وأدنى من الموت الزؤام.

غسان أبو العلا

24/12/2011


بلانظير الأسد الصغير والشروع في الهروب الكبير


كان يحلو لسيف القذاذفة الذي قُبض عليه لاحقاً متلبساً بإسم "عبسلام" ان يردد خلال دعواته المتكررة لممثلي الثورة الليبية إلى كلمةٍ سواء تحت طائلة سبّابةٍ ممدودةٍ بين وسطى وباهمٍ معقودتين أن معمر القذافي خطٌ أحمر وما دون ذلك قابلٌ للحوار. إستثناء معمر القذافي على قاعدة انه بلا نظير افرغ دعوات القذافي الإبن يومها من محتواها وجعل منها مأزقاً يضاف إلى مآزق القذاذفة لا مخرجاً حسبوه متاحاً لهم. وبلا نظير كما هو معروف هي الترجمة العربية للإسم الأول لرئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بنازير بوتو هي ايضاً صفة لمجمل الرؤساء والملوك والامراء البلانظراء العرب وانجالهم و احفادهم إلى يوم التلاق وهم من صفتهم هذه قد دأبوا على اشتقاق شعارات المرحلة: أنا او الحرب الأهلية, انا او الجماعات الأصولية, أنا أو شفيقة القبطية.
تزامنت مذكرات الإحضار إلى طاولة الحوار التي اطلقها بلانظير القذافي الابن يومها مع خطابات نارية كاسترووية لبلانظير الكبير تخللتها أو بالاحرى اقتصرت على عباراتٍ قبتاريخية سبق ان حنطت ورميت في أقبية المتاحف إلى جانب الكثير من امتعة طغاةٍ اكل عليها التاريخ وشرب مثل معطف موسيليني وشارب هتلر والضربة الجوية وقصيد الجواهري في حافظ اسد ومرحاض صدام حسين.
مقابلة بلانظير الأسد الصغير امس مع محطة ايه بي سي الأمريكية تستحضر مقابلة مشابهة في في التوقيت واللغة (الإنكليزية للمرحلة الإبتدائية) قام بها بلانظير القذافي الأبن حين بلغت التراقي وتهيّأ للفراق وشرح فيها يومها ان لديه واهله خطة دفاع استراتجية تتكون من ثلاثة أوجه أو مراحل أولاهم اساسية والاخيرتان بدائل احتياطية وإن تلك المراحل الثلاثة تحمل الإسماء الكودية التالية مع ملخص كل منها,الخطة ألف: القتال حتى الموت, الخطة باء: القتال حتى الموت, والخطة جيم: القتال حتى الموت. من الواضح طبعاً ان الخطة كانت بالغة الإحكام بدليل انها "مُنيت" بنجاحٍ تامٍ منقطع النظير وبشكلها الإساسي ذي الرمز ألف ولم يكن ثمة حاجة لوضع رديفيها باء وجيم موضع التطبيق.
مأزق النظام الإستبدادي السوري انه كمثيله الليبي قد اولغ (رغم أصرار معظم الصحف العربية على أنه اوغل أو توغل فمصدر الكلمة ولغ وكلمة أولغ اشتقاق منها على وزن أفعل وتعني شرب بشراهة ونهم وتقال للبهيمة الضارية وخصوصا فصيلة الكلبيات. وتوضيحي يأتي من باب الفذلكة طبعاً) في دم الرعية وثرواتها واعراضها على مدى عقود ايلاغا جعل من الصعب عليه في زمن العولمة والمحاكم الدولية الإطمئنان إلى تسوية مناسبة إنْ مع قوى المعارضة او مع المجتمع الدولي يتنحى بموجبها عن السلطة ليلوذ مع ما خف وزنه وغلا ثمنه بمنفى اختياري ما وهي تسويات تصلح لمجرمين معتدلين غالبا ما اقتصرت جرائمهم على اللصوصية والكسب غير المشروع ويمكن للمجتمع الدولي ان يتسامح معهم دون ان يثير حفيظة المحافل الدولية والهيئات الإنسانية والدوائر الإعلامية نقول هذا وفي البال بلانظير بن علي وصاحبته كانزة الذهب. فإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى الذين بطش بهم النظام السوري على مدى عقود والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة التي اختلسها من قوت شعبه ثمة استحقاقات قانونية دولية قد تكون اشد وطأة عليه تبدأ بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقد لا تنتهي بتفجيرات وقعت في بعض الدول الاوروبية في الربع الأخير من القرن الماضي وأشارت اصابع الإتهام فيها إليه. نقول هذا وفي البال جريمة لوكربي التي لم ينتهي التحقيق فيها بعد على عكس ما يشاع.
إن الشراسة التي يبديها النظام السوري وهذي الآلاف المؤلفة من الضحايا الذين سفك دماءهم هي بوجهٍ من الأوجه مبررة فالمسألة عنده وعن حقٍ هي مسألة حياةٍ أو موت بالمعنى الحرفي وليس المجازي للكلمة وأية محاولات دولية او عربية او محلية للتوصل إلى تسوية معه لن تجني سوى المزيد من سفك الدم السوري.
قلنا ان مقابلة بشار الأسد مع محطة اي بي سي التي جرت امس تتشابه بالتوقيت واللغة مع مقابلة سيف الإسلام الشهيرة والتي أعلن فيها بيانه الإنتحاري وامتنعنا عن القول بتشابه الهدف. ففي حين استهدف سيف اثارة حمية وحماس مناصريه وتهيأتهم للمعركة الفصل فإن بشار بدعوته لباربرا وولتر والتي لا بد انه قد سمع بها او شاهد بعض لقاءاتها التلفزيونية مسبقا للتحضير لموقعته معها وكان بالتالي يعلم ان لقاءه ذاك لن يكون نزهة يكتفي فيها بترديد هراء المؤامرة والممانعة المعتاد ولن يمهد له بخطبة عصماء من خطب ابيه التاريخية التي يحتفظ بها تلفزيون الدنيا كسلاح استراتيجي يقوم بإستخدامه فقط عند الأحداث الجلل كالتمهيد لبث مقابلة مع وئام وهاب او نجاح واكيم. ولو اراد الأسد تلاوة خطابٍ عنتريٍ يسلح فيه على عباد الله القانتين كخطاب إلى الأمام وزنقة زنقة لأختار تلفزيون المنار لإطلالته المهيبة ورغم أنه لم يستطع منع نفسه خلال المقابلة من ترديد بلاهة القذافي عن حب الشعب له واصراره على قيادته فإن تلك لم تكن بيت القصيد.
للأحاطة بحيثيات مقابلة الأسد الإبن وأسبابها وظروفها ينبغي العودة إلى تصريحات الاسد العم في مقابلة حديثة صبّت هي الأخرى في نفس الإناء الذي صبّ فيه بشار امس إلا وهو إناء الغسول من المسؤولية القانونية عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية حاول خلالها غسل يديه من مجزرتي حماة وتدمر الواقعتين في ماضٍ غير سحيق ولم يمرّ عليه الزمن والتحقيق فيهما والإقتصاص من مرتكبيهما لا بد آتٍ وفي نفس الوقت رمى مسؤولية الجرائم المرتكبة حاليا وبشكل يوميٍ على عاتق وزير دفاع النظام وكبار ضباط ورؤساء الفروع الأمنية فيه وهو بالظبط ما أراد الأسد الصغير ارساله إلى عرّابي المجتمع الدولي عبر باربرا وولتر مما يجعلنا نميل إلى الظن بأنه قد اختار الإنضمام إلى مناورة عمه في محاولة لفصل نفسه عن النظام الأمني الذي هو رأسه بديلاً عن الخطاب الإنتحاري المعتاد وقد يكون وراء الأكمة ما وراءها. إن قولته المثيرة لللغط والتي حاول متحدث حكوميٌ تهذيبها لاحقا لم تكن هفوة إذن بل لب القصيد "هذه القوات ليست قواتي ولا تأتمر بأمري بل بأوامر الحكومة".
بقي أن نشير إلى ان ضحكة بلانظير الاسد الخرقاء عند إجابته عن سبب إرساله سفير للأمم المتحدة رغم عدم إيمانه بمصداقيتها قد اعيتنا واستعصت على إدراكنا وتحليلنا فآثرنا الكف عن المحاولة لضيق الوقت وانعدام الموارد الفكرية الضرورية.

غسان أبو العلا
08/11/2011



مقالة خادشة للحياء وموهنة لعزيمة الأمّة


غنيٌّ عن البيان أن وليد المعلم وعلياء المهدي نقيضان متنافران بينهما برزخٌ لا يبغيان وإن كان قد ألّف بينهما ضبطُ كليهما أثناء ارتكاب فعل فاضح في مكان عام. إن خطيئة وليد المعلم وزير خارجية الحاكم بأمر الله والتي تمثلت بعرضه شريط ضمّ صورا لجريمة حصلت في بلدة كترمايا الواقعة في السفح الغربي لجبل لبنان حيث قتل وسحل الأهالي فيها مصريا أتهموه بجريمة إغتصاب وقتل وأخرى لمسلحين ملتحين تم أخذها اثناء أحد اشتباكات التي لا تحصى بين باب التبانة وجبل محسن , قل السنة والعلويين, الواقعتين شماله والصور جميعها التقطت قبل أكثر من عامين وقدمها المعلم بوصفها شهادة موثّقة عن جرائم العصابات المسلحة في سوريا لم تسقط ورقة التوت عن عورته وعورات أسياده الواهنة فحسب بل كشفت عن مدى غباء الطغمة الغوبلزية التي يعتمد عليها نظام الأسد إلى جانب شبيحته وانشكارييه في إطالة أمد تربعه على سدة الحكم والتي يبدو أنها -الطغمة لا السدة- لا تزال غافلةً عن ثورة الإتصالات وتسبح في عسل الزمن الجميل زمن التلفزيون الأوحد والإذاعة الوحيدة والجريدة الواحدة حيث خطبة الرئيس مقدسة وحديث الوزير منّزل وكلاهما عصيّان على النقد والتمحيص فلا يأتيهما باطلٌ من بين ارجلهما ولا من خلفهما وبالتالي لا تثريب عليهما إن هما كذبا او لويا عنق الحقيقة مهما بلغ زيفهما او مجافاتهما للواقع.
صورة علياء المهدي الحدث التي ملأت الدنيا وشغلت الناس كانت برداً وسلاماً عليّ شخصيا ولا أخفيكم أنني سابقت مئات الألوف الذين شهدوا الزحف الأخضر إلى مدونتها وإن كنت انا, واقسم لكم برأس كليب الذي يجير حيّاً وميتاً على حد قول جحدر وها هو قد أجاره وأنعم عليه حيّا فلننتظر ونرى إن كان سيجيره ميتاً, قد زحفت بدافع "الفضول العلمي" البحت وبدون اية أجندة ايروسية وكلٌ حجته إلى ما حجّ إليه أو كما قال. ولئن كان الرجال فيما مضى يقرنوا بالمشاهد التي شهدوها فيقال إذا ما ذُكر فلانٌ أنه شهد بدر أو ذُكر علّانٌ أنه شهد الحديبية أو أنهما قد شهدا بدرا وأُحد مثلا إلى آخر تلك المشاهد فأني لأرجو أن أُقرن بمشهدين إثنين بعد عمرٍ طويل إن شاء الله فيقال عني إذا ما جاء اسمي في حديث أو ذُكرت لمكرمة: عكرمة بن الريان وهو ممن شهدوا صورة علياء وعورة المعلم.
وصلت إذن إلى اسوار قلعتها الإفتراضية فبسملت وحوقلت وشكرت الله على نعمه, فأنا من اتباع الطريقة البوطية ثم توكلت على الله وكبست كليك فإذا بي في حضرة صورة شديدة العادية ليس فيها ما يبرر حجّ الألاف أليها وانقسام الناس حولها بين داع لإقامة الحد أو منادٍ بتطويبها قديسة او مجرد مذهولٍ لاطمٍ للخد. عريٌ محايد غير فاحش وبدون أية أيحاءات جنسية إلا إذا أعتبرتَ ان كل عري فاحش بالضرورة. عري علياء في الصورة المشهودة هو فعلا اشبه ما يكون بعري التماثيل واللوحات الفنية كما كتبَت مع فارق وحيد حسب رأيي هو أن ليس في صورة علياء الكثير من القيم الجمالية. هي لوحة إذن لشخص يفتقد للموهبة وليس تلك بجريمة يعاقب عليها القانون ولا هي حتى تندرج في باب خدش الحياء العام إذ كيف لصورة عارية واحدة ان تخدش حياء امة شغلها الشاغل منذ أختراع الشبكة العنكبوتية هو التنقل بين مليارات الصور الإباحية المكومة فيها واحيلكم بهدا الصدد إلى احصاءات محرك البحث غوغل حول معدل تصفح المواقع الإباحية في مجمل الدول العربي.
أما الفحش والشيء بالشيء يذكر فهو تعرّي وليد المعلم الفاضح في مؤتمره الصحفي المشهود وانكشاف عورته على الملأ. عريٌ بشع قميء يبعث على القرف والغثيان ويدفعك إلى تغطية عينيك بكفيك. وهو إلى ذاك يبعث ايضا على الضحك إذ يتبين لك عنده سبب خوف زبانية النظام الشديد من كل ما هو مثبط للهمم وايلائهم بالغ الإهمية لمسألة مكافحة كل ما يمكن له ان يوهن عزيمة الأمة. ولئن كان ثمة ما هو افحش من هذا الكذب الفاضح الذي اقدم عليه وليد المعلم فهو دفاع طالب ابراهيم عنه إذ لم يجد افضل من القول بأن صور العصابات الإرهابية المسلحة هي صحيحة مائة بالمائة وإن كانت هذه الصور قد أخذت في طرابلس كما أَقرَّ فإن هذه العصابات نفسها هي موجودة ايضا في سوريا كون طرابلس متداخلة جغرافيا مع سوريا. بمعنى آخر أن وجود العصابات الإرهابية المسلحة في لبنان تبرر لجيش آل أسد هجومه على المدنيين السوريين! أفكر جديا بتسجيل مؤتمر المعلم ودفاع طالب ابراهيم عنه في فلاشة مثل فلاشة علي الشعيبي لأقوم بإبتزازهما بها لاحقا فالرزق يحب الخِفّيّة على ما قال أهل الكنانة.
لو ان سياسيا ما في بلدٍ تحترم سلطته نفسها سقط ربع سقطة المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير لكانت تلك نهاية حياته السياسية بل ولسيق مخفورا إلى القضاء بتهمتي التضليل والفساد ولكنني اجزم ان المعلم لا يزال صالحاً للخدمة في عرف النظام السوري.
زعموا أن سوريا فقيرا أبتر قد مثل امام اللجنة الطبية قبل سوقه للخدمة العسكرية الإلزامية وكان يأمل بالتسريح بسبب عاهته ولكن فقره جعله غير قادر على دفع "المعلوم" فتم إعلانه صالحاً للخدمة كما جرت العادة في هكذا احوال. ثم كان ان شهد معركة _في لبنان طبعا_ واظنها كانت ضد الجنرال عون ففقد يده الأخرى فإعيد عرضه على اللجنة الطبية التي اعادته للخدمة لعن الله الفقر. ثم شهد معركة اخرى أظنها كانت ضد الزمر العرفاتية هذه المرة فأنفجر به لغما اطاح بكلتي رجليه فوضعه زملاؤه على بطانية عتيقة ونقلوه إلى رئاسة الأركان حيث تم عرضه للمرة ثالثة على رئيس اللجنة الطبية الذي اسقط بيده هذه المرة فأصدر أمرا بتسريحه رغم كونه لم يدفع المعلوم , وهنا صرخ المجند المسجّى على البطانية بحنق: ولم تسرحني يا سيدي؟ فانا لا زلت صالحا للخدمة. تستطيع مثلا ان تضع في قفاي عصا وتستخدمني لمسح ارضية مبنى الأركان!
وليد المعلم ايضا ما زال صالحا للأستخدام في وزارة الخارجية بعد سقطته المدوية. يلزمه فقط عصا وجردل بحجمين مناسبين فالرجل والحق يقال ضخم.

غسان أبو العلا
04/12/11