Sunday, April 3, 2016

بلانظير الأسد الصغير والشروع في الهروب الكبير


كان يحلو لسيف القذاذفة الذي قُبض عليه لاحقاً متلبساً بإسم "عبسلام" ان يردد خلال دعواته المتكررة لممثلي الثورة الليبية إلى كلمةٍ سواء تحت طائلة سبّابةٍ ممدودةٍ بين وسطى وباهمٍ معقودتين أن معمر القذافي خطٌ أحمر وما دون ذلك قابلٌ للحوار. إستثناء معمر القذافي على قاعدة انه بلا نظير افرغ دعوات القذافي الإبن يومها من محتواها وجعل منها مأزقاً يضاف إلى مآزق القذاذفة لا مخرجاً حسبوه متاحاً لهم. وبلا نظير كما هو معروف هي الترجمة العربية للإسم الأول لرئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بنازير بوتو هي ايضاً صفة لمجمل الرؤساء والملوك والامراء البلانظراء العرب وانجالهم و احفادهم إلى يوم التلاق وهم من صفتهم هذه قد دأبوا على اشتقاق شعارات المرحلة: أنا او الحرب الأهلية, انا او الجماعات الأصولية, أنا أو شفيقة القبطية.
تزامنت مذكرات الإحضار إلى طاولة الحوار التي اطلقها بلانظير القذافي الابن يومها مع خطابات نارية كاسترووية لبلانظير الكبير تخللتها أو بالاحرى اقتصرت على عباراتٍ قبتاريخية سبق ان حنطت ورميت في أقبية المتاحف إلى جانب الكثير من امتعة طغاةٍ اكل عليها التاريخ وشرب مثل معطف موسيليني وشارب هتلر والضربة الجوية وقصيد الجواهري في حافظ اسد ومرحاض صدام حسين.
مقابلة بلانظير الأسد الصغير امس مع محطة ايه بي سي الأمريكية تستحضر مقابلة مشابهة في في التوقيت واللغة (الإنكليزية للمرحلة الإبتدائية) قام بها بلانظير القذافي الأبن حين بلغت التراقي وتهيّأ للفراق وشرح فيها يومها ان لديه واهله خطة دفاع استراتجية تتكون من ثلاثة أوجه أو مراحل أولاهم اساسية والاخيرتان بدائل احتياطية وإن تلك المراحل الثلاثة تحمل الإسماء الكودية التالية مع ملخص كل منها,الخطة ألف: القتال حتى الموت, الخطة باء: القتال حتى الموت, والخطة جيم: القتال حتى الموت. من الواضح طبعاً ان الخطة كانت بالغة الإحكام بدليل انها "مُنيت" بنجاحٍ تامٍ منقطع النظير وبشكلها الإساسي ذي الرمز ألف ولم يكن ثمة حاجة لوضع رديفيها باء وجيم موضع التطبيق.
مأزق النظام الإستبدادي السوري انه كمثيله الليبي قد اولغ (رغم أصرار معظم الصحف العربية على أنه اوغل أو توغل فمصدر الكلمة ولغ وكلمة أولغ اشتقاق منها على وزن أفعل وتعني شرب بشراهة ونهم وتقال للبهيمة الضارية وخصوصا فصيلة الكلبيات. وتوضيحي يأتي من باب الفذلكة طبعاً) في دم الرعية وثرواتها واعراضها على مدى عقود ايلاغا جعل من الصعب عليه في زمن العولمة والمحاكم الدولية الإطمئنان إلى تسوية مناسبة إنْ مع قوى المعارضة او مع المجتمع الدولي يتنحى بموجبها عن السلطة ليلوذ مع ما خف وزنه وغلا ثمنه بمنفى اختياري ما وهي تسويات تصلح لمجرمين معتدلين غالبا ما اقتصرت جرائمهم على اللصوصية والكسب غير المشروع ويمكن للمجتمع الدولي ان يتسامح معهم دون ان يثير حفيظة المحافل الدولية والهيئات الإنسانية والدوائر الإعلامية نقول هذا وفي البال بلانظير بن علي وصاحبته كانزة الذهب. فإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى الذين بطش بهم النظام السوري على مدى عقود والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة التي اختلسها من قوت شعبه ثمة استحقاقات قانونية دولية قد تكون اشد وطأة عليه تبدأ بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقد لا تنتهي بتفجيرات وقعت في بعض الدول الاوروبية في الربع الأخير من القرن الماضي وأشارت اصابع الإتهام فيها إليه. نقول هذا وفي البال جريمة لوكربي التي لم ينتهي التحقيق فيها بعد على عكس ما يشاع.
إن الشراسة التي يبديها النظام السوري وهذي الآلاف المؤلفة من الضحايا الذين سفك دماءهم هي بوجهٍ من الأوجه مبررة فالمسألة عنده وعن حقٍ هي مسألة حياةٍ أو موت بالمعنى الحرفي وليس المجازي للكلمة وأية محاولات دولية او عربية او محلية للتوصل إلى تسوية معه لن تجني سوى المزيد من سفك الدم السوري.
قلنا ان مقابلة بشار الأسد مع محطة اي بي سي التي جرت امس تتشابه بالتوقيت واللغة مع مقابلة سيف الإسلام الشهيرة والتي أعلن فيها بيانه الإنتحاري وامتنعنا عن القول بتشابه الهدف. ففي حين استهدف سيف اثارة حمية وحماس مناصريه وتهيأتهم للمعركة الفصل فإن بشار بدعوته لباربرا وولتر والتي لا بد انه قد سمع بها او شاهد بعض لقاءاتها التلفزيونية مسبقا للتحضير لموقعته معها وكان بالتالي يعلم ان لقاءه ذاك لن يكون نزهة يكتفي فيها بترديد هراء المؤامرة والممانعة المعتاد ولن يمهد له بخطبة عصماء من خطب ابيه التاريخية التي يحتفظ بها تلفزيون الدنيا كسلاح استراتيجي يقوم بإستخدامه فقط عند الأحداث الجلل كالتمهيد لبث مقابلة مع وئام وهاب او نجاح واكيم. ولو اراد الأسد تلاوة خطابٍ عنتريٍ يسلح فيه على عباد الله القانتين كخطاب إلى الأمام وزنقة زنقة لأختار تلفزيون المنار لإطلالته المهيبة ورغم أنه لم يستطع منع نفسه خلال المقابلة من ترديد بلاهة القذافي عن حب الشعب له واصراره على قيادته فإن تلك لم تكن بيت القصيد.
للأحاطة بحيثيات مقابلة الأسد الإبن وأسبابها وظروفها ينبغي العودة إلى تصريحات الاسد العم في مقابلة حديثة صبّت هي الأخرى في نفس الإناء الذي صبّ فيه بشار امس إلا وهو إناء الغسول من المسؤولية القانونية عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية حاول خلالها غسل يديه من مجزرتي حماة وتدمر الواقعتين في ماضٍ غير سحيق ولم يمرّ عليه الزمن والتحقيق فيهما والإقتصاص من مرتكبيهما لا بد آتٍ وفي نفس الوقت رمى مسؤولية الجرائم المرتكبة حاليا وبشكل يوميٍ على عاتق وزير دفاع النظام وكبار ضباط ورؤساء الفروع الأمنية فيه وهو بالظبط ما أراد الأسد الصغير ارساله إلى عرّابي المجتمع الدولي عبر باربرا وولتر مما يجعلنا نميل إلى الظن بأنه قد اختار الإنضمام إلى مناورة عمه في محاولة لفصل نفسه عن النظام الأمني الذي هو رأسه بديلاً عن الخطاب الإنتحاري المعتاد وقد يكون وراء الأكمة ما وراءها. إن قولته المثيرة لللغط والتي حاول متحدث حكوميٌ تهذيبها لاحقا لم تكن هفوة إذن بل لب القصيد "هذه القوات ليست قواتي ولا تأتمر بأمري بل بأوامر الحكومة".
بقي أن نشير إلى ان ضحكة بلانظير الاسد الخرقاء عند إجابته عن سبب إرساله سفير للأمم المتحدة رغم عدم إيمانه بمصداقيتها قد اعيتنا واستعصت على إدراكنا وتحليلنا فآثرنا الكف عن المحاولة لضيق الوقت وانعدام الموارد الفكرية الضرورية.

غسان أبو العلا
08/11/2011



No comments:

Post a Comment