Sunday, April 3, 2016

نريدُ حمزةَ حيّا


نريدُ حمزةَ حيّا
"شروط الحوار مع الميّتين"

تَبيّن إذن أن وقف العمل بقانون الطوارئ الساري في سوريا منذ خمسين من السنين وإستبداله بقانون مكافحة الإرهاب أشبهُ ما يكون _نجاعةً_ بالتدّاوي ببول الجِمال. ولبول الجِمال في الموروث الشعبي العربي _ لا سيّما في جزيرة العرب_ خصائصٌ وقدرات طبيّة تكاد تكون عجائبيّة بوّأته المركز الثاني في الوصفات الطبيّة الشعبيّة بعد حبّة البركة التي قيل ان الرسول قد أوصى بها وينقل عنه قوله: عليكم بالحبّة السوداء فإن فيها دواء لكلّ داء إلّا الزؤام. ولقد درجت العربُ العاربة منذ القدم على إستخدام هاتين المادتين لمعالجة كل ما قد يخطر على البال من أسقامٍ وأوبئة منذ لبوس الجِنّ وزوال القدرة على الباه حتى وجعِ الضرسِ أو الباصور الذي قد يمنع المواطن من الإستلقاء على قفاه.
لم ينجع إذن بول الجمال في لجم صهيل التوق نحو الحرية فكان المزيد من القتل هو خيار آل الأسد وأعوانهم في محاولةٍ لن تنجع هي الأخرى. وبين القتل والقتل يناور النظام السوري بحذاقة الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي تولّى الحكم في الحادية عشرة من عمره. لم يكن ثمّة حاجة لتعديل الدستور يومها كما حصل مع بشار حين استقام زعيماً بعد مرور أقلّ من اسبوعين على شفائه من الحصبة, إذ لم يكن هناك دستور. وجملتي هذه _للتاريخ_ مريبة, إذ توحي بأن ثمة دستورٍ في سوريا. والمقارنة هنا بين بشار الاسد والحاكم بأمر الله الفاطمي تقتضي القول للأمانة ان التشابه بينهما يقتصر على أن كليهما إعتلى سدة الحكم يافعاً وكليهما أمعن في الرعية قتلاً وأوغل تعذيباً. ولإن كان الثاني قد اصدر مرسوماً بمنع إعداد أو اكل طبخة الملوخية تحت طائلة المسؤولية فإن الأول لم يمنع بعد أكل ’’شيخ المحشي’’ بتهمة الإنتماء للسلفية او المهلبيّة المعروفة في سوريا بإسم ’’كِشك الفقرا’’ بسبب قدرتها على وهن عزيمة الأمّة أو ’’حرّاق أصبعو’’ بذريعة إشعال الفتن الطائفية.
وايضاً بحصافة الجدّات إذ يدفعن شغب أحفادهن ببضع ليرات تريحهن من الزعيط هنيهاتٍ ريثما ينتهي الأحفاد من أكل ما طاب مما تشتريه تلك الليرات من ملذات مع بادر النظام السوري مع أول القتل إلى زيادة رواتب موظفي الدولة, خفص سعر المازوت, العفو عن المسجونين بجرائم _ربما لإستيعابهم ضمن الشبيحة_. أجازة التظاهر _صدّق!_ .
و بين الدم والدم جرى تسريب العديد من جرائم النظام المصورة تبعاً لسياسة العصا والجزرة. صيدٌ بشري, تعفيس, سحلٌ, ورقصٌ بربريٌ على جثث القتلى. لم يفلح المازوت الرخيص ولا رقص البرابرة في رأب الصدع الذي شاب جدار الخوف الذي بناه بطش اربعين عاماً.
المناورة الأخيرة للنظام السوري إذن كانت دعوة الأطراف المتصارعة ’’ إقرأ القاتلة والمقتولة’’ إلى الحوار السياسي وطي صفحة الإنتفاضة الشعبية. ثمة دعوة أخرى اقلّ شهرةً للحوار كانت سبقت هذه الدعوة الكريمة وانتهت طبعا بالزجّ بالمدعوين عند إجتماعهم جُملةً في زنازين الشُرط السريّة بما يُشبه فِعلة أبي العباس السفّاح حين أولم لآل أميّة بدعوى الصلح ثم ضرب أعناقهم بعد الغذاء فاجتثّهم عن بَكرة أبيهم واستراح.
دعوة الحوارالجديدة هذه ردّ عليها اهل حمص ودرعا واللاذقية وإدلب والشاغور والقابون وبقية البلدات التي لن تكون بعد الآن منسيّة بجمعة العشائر غير آبهين بالقتلِ ولا بالسحلِ ولا مهتابين من جيش ابي شحاطّة وفرقة نحّول الرابعة ولا من شبّيحة النظام او بطش ’’عصاباته المسلحة’’ التي ثبت أنها مجردُ اسمٍ فنيّ لأجهزته الأمنية.
كإني بأهل بلاد الشام إذ أطلقوا على جمعتهم الأخيرة إسم جمعة العشائر يستحضرون صدى تَغلب وربيعة ووائل يوم مقتل وليّهم كُليب إذ دعا الداعي إلى الحوار ودفع الديّة فقالوا قولتهم الشهيرة في معرض سرد شروطهم للصلح: نريدُ كُليباً حيّا!
نحن الميتون سحلاً وذلاً وقهراً وغِلّاً, قتلاً وعفساً وركلاً وخصيا, عُرباُ وكُرداً جنوباً وشام نعلن فيما يلي شروطنا للحوار: نريدُ حمزةُ حيّا. بغرّته الفتيّة وتدويرة وجهه البهيّة. بمكر الطفولة في عينيه. بنظراته المسروقة إلى بنت الجيران. بشيطنته ودفاتر مدرسته وقبلات أمّه ودعوات جدته. بكامل بهائهِ وسنائهِ وخوفهِ وطيشهِ وأعضائه.
تلك جلّ مطالبنا: نريدُ حمزةَ حيّا.


غسان أبو العلا
17/6/2011

No comments:

Post a Comment