Sunday, April 3, 2016

الفلسطينيّون بين عدميّة يا وحدنا وانهزاميّة يصطلفوا


يذهب الاستاذ رشاد ابو شاور الذي احترم في مقالته المعنونة "لدينا نحن الفلسطينيون ما يكفينا!" وعلامة الإندهاش من صلب عنوان المقالة المنشورة في صحيفة القدس العربي بتاريخ 17آب 2011 وليس من عندي, إلى الترويج لموقفٍ سياسيٍ دأب الساسة والقادة والمثقفون الفلسطينيون جلّهم إلى الإلتزام به منذ البوعزيزي حتى حمزة الخطيب مروراً بالألاف المؤلفة من ضحايا القتل والقهر والتعذيب مفاده ان علينا المضيّ في حياتنا اليومية وبؤسنا وفقرنا وذلنا عند كل قمر بإنتظار الإفراج عن رواتبنا الشهرية, ونضال قادتنا دونما كللٍ وحرتقاتهم الديبلوماسية بل وحركة رئيسنا التصحيحية دون الإلتفات إلى ما يجري بين ظهرانينا وحولنا في بدعوى أننا لدينا ما يكفينا! والاندهاش الاخير هذا مني إذ أن المواقف السياسية والإنسانية والأخلاقية ليست بطيخاً حتى يعجز القوم عن هَنْدَلَة ( مشتقة من الفعل
Handle ) أكثر من موقفٍ او قضية واحدة في آن واحد وبيدٍ واحدة.
يفتتح الأستاذ ابو شاور مقالة "قل مقولة" لدينا ما يكفينا! الرائجة في اوساط قيادتنا الفلسطينية بسطرٍ يجهر بميكافيليةٍ سياسيةٍ قميئة فيقرر أن :" لدينا نحن الفلسطينيين ما يكفينا من الهموم، والمتاعب، والمشاكل، و..جدول الأعمال الوطني الثقيل الوطء، الذي لا نستطيع أن ننجزه وحدنا، وهو ما يستدعي، كما هو الأمر دائما، دعم ومساندة أهلنا في كل الأقطار العربية". فهو يدعو كل الشعوب العربية السابحة حاليا في انهار دمها المسفوك يوميا بإيدي جلاوزتها إلى ترك مواجهة طغاتها وقتلة اطفالها ونسائها وهادمي مآذن احيائها بالطائرات والمدافع والسواطير والبساطير والكرابيج والسكاكين وأكَلَةِ أعضاء اطفالها ورجالها , كما في حالتي حمزة الخطيب الذي بُتر عضوه الذكوري وابراهيم القاشوش الذي نُزعت حنجرته بسب اهازيجه ضد الديكتاتور, والتفرغ "مرحلياً ربما" لدعمنا ومساندتنا في إنجاز جدول اعمالنا الوطني ثقيل الوطء والذي هو على ما يبدو تللك الحرتقة الدبلوماسية الهزيلة والمستمرة بين كرٍ وفر منذ عقدين المسماة إعلان الدولة الفلسطينية (الهزيلة بدورها) او ربما الحشد لحرب اللصوص الدائرة رحاها على اراض السلطة الفلسطينية (الهزيلة ايضاً) بين محمد دحلان وبقية الدحالين اضافة إلى ما يذكره من بناء المستوطنات المستمر ايضاً منذ عقود تكاد تكون اطول من عمر الطغيان المزمن في دول الجوار. تأتي دعواه هذه في نفس الجملة التي بدأها بدعوة الفلسطينيين إلى "الترفع" وعدم المشاركة في التصدي لما يجري من قمعٍ دمويٍ ومجازرٍ وحشية لأهلنا في سورية وبقية الدول العربية رغم انه يقرر في الجملة التالية انها تعنينا.
إن فلسطينييّ الشتات في لبنان وسوريا والاردن وبقية الامصار والبلدان هم جزء من نسيج تلك المجمتعات واغلبهن ولد وفيها ولا يعرف وطناً سواها ولقد شاركوا أهلها في الغُرمِ دون الغُنم في اغلب الأحيان وفي السرّاء دون الضراء ووقع ويقع عليهم الإستبداد كما وقع ويقع على أهلها وكما ذكر الأستاذ ابو شاور في مقالته فإن الفلسطيني : وإن تساوى في وقوع الظلم عليه من الدول وأجهزة بطشها، بالمواطن العربي الشقيق، فإنه، أي العربي الفلسطيني، نال عقابا يفوق (ابن البلد). وهو مع ذلك يدعونا إلى عدم المبالاة ويستكثر علينا مظاهرةً صغيرةً قام بها بعض الفنانين لإعلان استنكارهم للمجازر في سوريا. ولأن كنت اوافق أو لا اوافق على تساؤل الأستاذ ابو شاور المشروع عن فن هؤلاء الفنانين المشاركين في التظاهرة فإني احسب ان فناً هابطاً لا يستدعي بالضرورة خبلاً سياسياً وقِيَميّاً كما ان ادباً عظيماً لا يقي صاحبه من الخطل السياسي وفقدان البوصلة احيانا. وبوصلة الاستاذ ابو شاور ليست مفقودة ولكنها على ما يبدو صنعت في كوريا الشمالية زمن كيم أيل سونغ او صينيّ زمن ماو تسي يونغ ويشرحها لنا بنفسه قائلاً:" يتناغم الموقف السعودي والخليجي مع التصعيد الأمريكي ضد سورية النظام، وأحسب أن أي شعب ثائر تبدي الإدارة الأمريكية حرصها على الوقوف معه، ودعم ثورته..ينبغي أن يتنبه، وتعيد قياداته حساباتها " متغافلاً عن أن من يقف مع شعب سوريا ضد البلاطجة هم كل ادارات ومؤسسات الشرعية الدولية والقانونية ومجامع حقوق الانسان والحيوان وشعوب العالم الغربي والعربي قاطبةً بما فيهم الفلسطينيون عدا جوقة الممانعين والمسترئسين ومنتظري المتغيرات وتبيان الخيط الاسود من الأبيض لإعلان مواقفهم المشرفة في بعض لبنان أضافةً إلى مخاتير الزواريب ومثقفيهم في السلطة. ثم من أين آتى رشاد ابو شاور بفرضية ان الادارة الاميركية تؤيد الإنتفاضة السورية؟ هل ارسلت طائراتها لدعمها كما فعلت في ليبيا والعراق مثلا؟ ام لمجرد انها دعت الرئيس بشار الاسد بخجل للكفّ عن استعمال الجيش ضد شعبه؟ ثم إذا كانت بوصلة ابو شاور تحضّه على عدم الوقوف في صف واحد مع الإمبريالية الامريكية فهل تقبل له تلك البوصلة ان يقف مع ملك الملوك واحمدي نجادي واسرائيل وشافيز ورئيس كوريا الشمالية الذي اجهل اسمه (هل لا زال الرفيق كيم حيّا؟) فأولئك هم اصحاب المواقف المشابهة لموقفه والداعية بطول العمر للنظام السوري.
من المبررات العجائبية الاخرى التي يسوقها الاستاذ ابو شاور لحضّنا على عدم التضامن مع ثورة سوريا, هتاف بعض المتظاهرين السوريين ضد حسن نصرالله في احد مظاهراتهم, فهل السيد حسن نصرالله إلا أمين عام حزبٍ قد خلت من قبله الأحزاب والامناء العامون! ام ان المثقفين الفلسطينيين قد امسوا من اتباع الولي الفقيه والمؤمنون بقداسته هم ايضا!؟ ثم كيف لا يصرخ المقتولون السوريون من وجعٍ ضد حسن نصرالله وهم يستمعون إلى خطب السيد المؤيدة للطغيان والمشكّكة هي الاخرى كما مقالة ابو شاور بدوافع إنتفاضتهم والمبررة بالتالي للإستمرار بقتلهم؟
ويذكّرنا ابو شاور في مقالته بمأساة مخيم نهر البارد وتدميره بالكامل على رؤوس الفلسطينيين كتحذير من عواقب أشهارنا موقفاً تقتضيه منا الاعراف والأخلاق والقيم الإنسانية في هذا الظرف متناسياً ان من يقف وراء مجزرة نهر البارد هو بالظبط نفس النظام الذي يحذرنا من الوقوف ضده فهذا النظام هو الذي فبرك تنظيم فتح الإسلام في محاولة لتحسين شروط تفاوضه مع امريكا ( نفسها التي يكره ابو شاور) لإعادة منحه وكالة لبنان واطالة عمر نظامه تحت طائلة إشعال الشرق الاوسط بالاصولية الإسلامية إذا ما استمرت الادارة الامريكية في تضييق الخناق عليه إثر إنكشاف وقوفه (وصحبه) وراء اغتيال رفيق الحريري.
إن رشاد ابو شاور والذين معه إذ يدعوننا إلى حقن دمائنا والقول للشعب السوري الشقيق إذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا على "جدول أعمالنا الوطني" لمنفكؤون إنما يدعوننا في الواقع للتفريط بدماء شهدائنا التي سفكها ويسفكها النظام السوري بمثل ما سفك يسفك دماء اهلنا السوريين, فليس تل الزعتر وحرب طرابلس وحروب المخيمات في الثمانينات ببعيدة عن مجازر حماة وتدمر وليس مجازر النظام السوري الحالية في أغلب المدن السورية بمختلفة النكهة عن مجازر مخيمي نهر البارد والرمل و تخوم الجولان (بدعوة من رامي مخلوف ) ودمنا نحن الفلسطينيون ليس ازرقاً بل احمرٌ قانٍ كدم اخواننا السوريين ومحمد الدرة وحمزة الخطيب صنوان وحتى لا يكون حال الشعب السوري كحالنا يوم حصار بيروت فلا يقول شعراؤهم غداً "وحدي كنتُ وحدي عندما قاومتُ وحدي وحدةَ الروحِ الأخيرة" فليهب اهلنا الفلسطينيون في الشام لنجدة اخوتهم السوريين فإن حربهم حربنا, ودمهم دمنا, ولولا هؤلاء الطغاة في الشام وما حولها "لما كانت فلسطينُ ثكلى".

غسان أبو العلا
18 آب 2011



No comments:

Post a Comment