Sunday, April 3, 2016

شهابُ الدينِ أضرطُ من اْبن أخيه


قالت العرب إكرام الميّت دفنه. وإلتمثيل ببدن الإنسان ميتاً أو يكاد كحال الشحرورة ليس إعلاماً فنيّاً بل سفكاً لكرامة الكهولة على مذبح الكسب المادي وأقل ما يقال فيه أنه مثيرٌ للشفقة فرقفاً بالقارورة. كذلك يسري على الدكتور رفعت الأسد ما يسري على الصبّوحة ومحاولة تسويقه مؤخراً كبديل محتمل للحاكم بأمر الله القرداحي إن هي إلا إزدراءٌ بدم الشهداء وإعادة إنتاجٍ قميءٍ للطغيان بعد أن أصبح على شفا جرفٍ هار.ولئن كان التركيز الإعلامي على صباح وهي في رمقها الأخير إستغلالاً وإستنزافاً لإرثها الجميل فإن إستدراج الدكتور إلى دائرة الضوء وبث الروح في جيفته هو إستحضارٌ لكابوسٍ رهيبٍ لمّا تنزاح وطأته عن صدور السوريين (و اللبنانيين والفلسطينيين) بعد فهلّا واريتم سوأة أخيكم بالله عليكم.
لا نقول هذا الكلام من باب المباهلة بل توطئة للنظر في حديث متلفز لرفعت الأسد {مع حفظ الألقاب والشهادات العلمية والرتب والنياشين العسكرية) تدوالته الشبكة العنكبوتية بالامس القريب تنصّل فيه من أية مسؤولية عن مجزرتي حماة وتدمر ذائعتي الصيت إذ كان سليل هارون الرشيد يومها منكباً على إنشاء الصروح العلمية في البلاد ذاكرا جامعتين بناهما في تلك الفترة , بل أن بناء احد الجامعتين قد تم مرتين إذ سرقت اموال البناء في المرة الأولى حسب قوله وليت شِعري من كان السارق. . تهدّج بورعٍ خلف لحيةٍ تقيّةٍ سوداءَ أبدا كشفشوفة ملك الملوك الراحل. أثنى على شجاعة قتلى الثورة الإيمانية في حماة كما سمّاها وبسالة قَتَلَتهم من جلاوزة النظام في آن وأقسم أنه لم يطأ يوماً حماة ولا تدمر وانا اصدّقه فجُلّ الأباطرة جبناء وأكثر الطغاة جبناً أشدهم فتكاً وبطشا. ومعروفٌ أن هتلر لم يرابط شخصياً على جدران لينينغراد ولم يجوب صحارى شمال أفريقيا في دبابة ولا قاد طائرة محمّلة بالموت الزؤام ولا مخر عباب البحر او غاص فيه محمّلاً بالصواريخ أوالطوربيدات ولا زج بيديه أي رجلٍ أو طفلٍ أو امرأه في حجرة غاز و لو كان على الطغاة أن يقوموا شخصياً بالقتل والتنكيل بالناس مباشرةً وبإيديهم العارية لكان التاريخ الإنساني أقلّ قتامة.
إستهلّ خطابه التصالحي بتوصيف مجزرة حماة بكونها حرباً متكافئةً أو بالأحرى مائلة الكفة عسكريا لصالح سكانها المتفوقين يومها عدداً وعدّةً على النظام السوري ! ثم عرج على مجزرة تدمر وحمّل مسؤوليتها لأخيه حافظ وسمّى قتل أكثر من الف سجين بدمٍ بارد أعداماً منسجماً مع الدستور السوري حسب قوله الذي يجيز للرئيس إعدام الأسرى في حالة الحرب! ثم شرح لنا ولجمهور الحاضرين في شريطه ان سرايا الدفاع لم تكن اورطةً إنشكارية كما نعتقد بل فرقةً عسكرية أنحصرت مهمتها بالدفاع الجوي وحماية الطائرات السورية من الغارات الإسرائيلية. ونسي أن هذه هي ايضا مهمة الأمن الجوي المفترضة بل ومهمة كل الفرق العسكرية والأمنية ومنها الفرقة الرابعة -الإنشكارية هي ايضاً - وجميعها الآن مولغة حتى المرافق بدم السوريين ايلاغ سرايا دفاعه الجوي بنفس الدم قبل عقدين من الزمن.
خانه ذكاؤه المتواضع فظن أن المصالحة مع الضحية تكون بالإشادة بشجاعتها ومصافحة جثتها وتبويس لحى شيوخ العشائر وقراءة الفاتحة على أرواح من قضوا حول منسفٍ متخمٍ باللحم الضان وعفا الله عمّا مضى. أفلا ينظرون إلى جثة العقيد كيف سحلت ودكتوراة "عبد السلام" كيف سحبت واموال آل البيت في تونس ومصر كيف محقت.
لا يحتاج المرء إلى عميق فكر وليد المعلم صاحب نظرية نهاية الجغرافية التي تبني على نظرية نهاية التاريخ ليستنتج أن الفسحة السياسية المتاحة حديثاً للأسد العم تهدف لطمأنة كبار الضباط من الطائفة العلوية والأيحاء لهم بأن عملاً إنقلابياً ما سيكون مقبولاً من المجتمع الدولي وهو ما يبدو حاليا مخرجاً محتملاً للأزمة السورية و تشجع عليه الدول الغربية على أن تقوم لاحقاً بقوننته وحضّ قادته المحتملين على نقل السلطة للمدنيين تماماً كما يجري حاليا في الساحة المصرية. وهو من جهة ثانية يهدف لتطويق مشاعر الخوف والقلق التي يعمل النظام على بثها وإثارتها في صفوف الطائفة العلوية في محاولة لتجييشها خلفه وتوريطها بالكامل في معركته ضد الثورة السورية .
أن حراكاً عسكرياً ما شبيها بالسيناريو المصري إذن قد يكون حلا ملائماً للأزمة السورية المستفحلة في ظل الرفض الروسي والصيني الحاليين للتدخل العسكري ولكن هذا لا يعني أنه الوحيد المتاح وأن التدخل العسكري إن على الطريقة الليبية او على طريقة اخرى مستحدثة ومفصّلة حسب مقاس الحالة السورية مستحيلا. فليس صحيحا أن خلو سوريا من النفط يشكل عائقا في وجه التدخل العسكري للناتو لأن سوريا على عكس ما يشاع مليئةٌ بالنفط بل أن شركتي توتال وشل الامريكيتين هما مستثمرتان اساسيتان للنفط الممانع فيها. كما أن حرباً أخرى هي بالظبط ما يبحث عنه الغرب حاليا كمخرج لأزمته الإقتصادية إذ ليس كالحرب من محفّزٍ لعجلة التدوير الإقتصادي وليس كمثلها علاجا للركود. ثم أن وعداً موثوقاً بالحفاظ على مصالح روسيا والصين في سوريا كافٍ في أية لحظة لقلب موقفيهم رأساً على عقب تماما كما انقلب موقف النظام السوري نفسه أبان حرب الخليج الأولى بعد وعدٍ بإطلاق يده في لبنان فتحول "بين ليلةٍ وضواحيها" (كما قال زياد) من أشد الداعين حماساً للتصدي للغزو الإستعماري إلى مشاركٍ فعال بجيشه في عاصفة الصحراء تحت لواء امريكا التي يدعو الآن للجهاد ضدها.
خلاصة القول, لسنا بقائلين مع القائلين من دخل بيت ابي سفيان فهو آمن. فلم تعدم الطائفة العلوية رجالاتها الذين تفيء بهم ومنهم كثرٌ في عداد قادة الإنتفاضة السورية (وحيد صقر مثالاً) بل إن في بعض نسائها (فدوى سليمان مثالاً) من الرجولة ما ليس في بعض ذكور الطائفة السنيّة (فاروق الشرع مثالاً). فلا يستجار إذن من الرمضاء بالنار ولا برفعت من بشار فشهاب الدين أضرط من ابن اخيه واضرط الأضرطين جزّارٌ يعرّض بجزّار.

غسان أبو العلا
26/11/2011 

No comments:

Post a Comment