Sunday, April 3, 2016

قبقاب ياسين وشعبة السلفيّين

تعتبر جدتي لأبي رحمها الله من رواد ما يطلق عليه حاليا اسم تلفزيون الواقع او التلفزيون التفاعلي وهو ما يشكل حاليا قطاعا اساسيا من قطاعات الصناعة الترفيهية بحجم يتجاوز مئات المليارات من الدولارات ويقوم مبدأ هذه الصناعة على فكرة منح المشاهد القدرة على التأثير في مسارالبث التلفزيوني بدلا من الإقتصار على المشاهدة السلبية إن عن طريق الريموت كنترول او إرسال المسجات في برامج ذائعة الصيت مثل \"الأخ الأكبر\" او \"شاعر المليون\" أو \"ستديو الفن\" إلى ما هنالك من مئات البرامج التي تقوم فكرتها الأساسية على تصويت المشاهدين. فأنت تستطيع بمجرد ارسال رسالة نصية ان تحقق حلم احدهم بالثروة والنجومية او أن تحرمه منهما وفي كلا الحالتين ستقوم أثناء ذلك بإضافة بضعة ليرات إلى حساب رامي مخلوف او مازن عباس أو اي من القطط السمان الاخرى وذلك حسب الوطن الذي \"تتمتع\" بالإنتماء إليه.
تعود الإرهاصات الأولى لتلفزيون الواقع إذن عند جدتي وقد كان اسمها زهرة ويعني ثمرة القرنبيط بلغة أهل الجليل الأعلى في فلسطين وليس الوردة إلى زمن الأبيض والأسود في سبعينات القرن الماضي وبالتحديد مسلسلات غوار الطوشة أي قبل أختراع اجهزة الهاتف النقالة وتقنية الرسائل النصية وكانت يومها تتفاعل مع هذه المسلسلات بطريقة الخطاب المباشر الموجه للممثلين او المشحّرين وهو ضمير المخاطب عندها وكان خطابها يرتكز على كشف ألاعيب غوار الطوشة لبدري ابو كلبشة او لحسني البورظان فتسمعها تصرخ بأبي كلبشة : لاك يا مْشَحَّر هاد قبقاب غوارمش قبقاب ياسين. أو تقول لحسني لاك يا مشحر أوعك هاد مقلب من غوار. او تشارك بالتأثيرات الصوتية فتردد عند كل قتلة ينالها ياسين بقوش من ابو عنتر: أكلها المشحّر اكلها!. ثم اتسع نطاق نشاطات جدتي زهرة مع نمو القطاع التمثيلي وطاول كل اشكال المسلسلات والأفلام بدءا من \" الجوازة ديه مش حتّم\" وصولاً إلى \"السر الرهيب\" و\"أنا مش أبوك..أنا امك\" وتنوعت إرشاداتها وتنبيهاتها للمثلين المشحرين بتنوع التأليفات والبنى الدرامية وأستطيع الجزم وبكل تواضع ان جدتي زهرة قد ساهمت في الكشف عن أغلب الحبكات الدرامية للمسلسلات في زمنها فلقد بشرتنا مثلا منذ الحلقة الأولى لمسلسل \"الجوازة ديه مش حتّم\" بأن البطل يتزوج البطلة في آخر حلقة وزفّت إلينا عند نهاية الحلقة الأولى من مسلسل \"انا مش ابوك انا امك\" أن البطل يكتشف في الحلقة الأخيرة ان ابوه الحقيقي هو جدته وأن إبنة أخيه هي في الواقع ابن خال العمدة وإن خالته هيي في الحقيقة عمه وأن زوجة إبنه هي اخت المخرج بالرضاعة ولكن كشوفاتها تلك لم تؤثر على رغبتنا في مشاهدة تلك المسلسلات حيث ان المحطات التلفزيونية لم تكن في تلك الأيام تعتمد على عنصر التشويق لجذب المشاهدين بل ببساطة على واقع انها المحطات الوحيدة المتاحة في بلدها.
مضت العقود وتوالت العهود واستخلف النمرود نمرود وأُخترع الحاسوب والهاتف النقال ثم تلاههما الإنترنت والجبهة الوطنية العريضة والحاجّة وصال وصار العالم اضيق من ضيعة يبرود وأعلن القذافي الزحف الأخضر وقام بتسليم السلطة في ليبيا للجماهيروغني عبد الحليم حافظ اغنية موعود وانهار جدار برلين وتحطمت الستارة الحديدة وسُحل نيكولاي تشاوتشيسكو وحرمه العنود وقصف الرادار السوري في جبل صنين ودمرت في البقاع \"بالطائرات\" شبكة الصواريخ المضادة للطائرات وحلق نسور الجو الإسرائيلي فوق قصر الشعب على مرأى من زغاليل سرايا الدفاع وأضحى مصطفى طلاس ثعلب الصحراء شيفاً ورُسّم بشار فريقا ولقّب ماهر بذي القرنين لبراعته في فنون الحرب وطّوّب رامي مخلوف قديساً شريفاً عفيفاً وكدّس آل الوحش في ارصدتهم البنكية مئات حقوق الرد ومليارات الدولارات وخرج رستم غزالي خروج الفاتحين من لبنان ونزع غوار الطوشة طربوشه وصار محللا استراتيجياً يشار له بالأصابع ولولا أن يُقال سجعَ عكرمة لقلت بالبنان.
في غمرة الإكتشافات والإبتكارات والإجتراحات والتطورات إنفرد ثابتان اثنان بالرسوخ والثبات رغم انف المتغيرات. الثابت الأول كان إصرار غالبية المخابز الآلية الحديثة في سوريا على الأحتفاظ بإسم \"المخبز الآلي الحديث\" رغم كونها قد فقدت حداثتها منذ عصور ورغم أن صفة \"الآلية\" صارت هي الصفة السائدة لمجمل أنماط الإنتاج والصبغة العامّة لكافة النشاطات الإنسانية على مستوى العالم وبالتالي اصبح وصف الشيء بالآلي شبيهٌ بوصف المرأة بالأنوثة او الرجل بالذكورة بإعتبارهذه الصفات اموراً مفروغاً منها وتأتي من باب لزوم ما لا يلزم كأن تقول صرحت السيدة الأنثى بثينة شعبان او هدّد الشيخ الذكر احمد حسون.
الثابت الأخر هو اصرار أجهزة آل الوحش الأمنية على استخدام اسلوب غوار الطوشة في فبركة المؤامرات والذي تكرر مئات المرات حتى بات غير قادر حتى على خداع جدتي زهرة ناهيك عن بدري ابو كلبشة فما بالك بجيمس بوند وديتليف مليس ودانيال بيلمار او حتى لجنة المراقبة العربية وتعتمد الخطة الجهنمية لغوار على عنصر واحد دائم ثابت ألا وهو دسّ فردة قبقاب ياسين بقوش أو حسني البورظان في كل الأمكنة التي كان يقوم فيها بجرائمه وهو ما دأب جهابذة هذه الأجهزة الدهاة على القيام به بعد استبدال قباقيب ياسين وحسني بقباقيب الموساد والسي آي ايه المصنوعة في حلب واضيف لاحقا إلى القائمة قباقيب القاعدة.
أن وقوف الأجهزة الأمنية السورية بالأمس القريب خلف الحملة المنظمة لضخّ الآف المتشددين الأسلاميين من كافة الدول العربية إلى العراق والعمل على تأمين الدعم اللوجستي والأمني ولعب دور الحاضنة وتأمين العمق الإستراتيجي لهم على مدى سنوات هو امر لا يخفى حتى على المالكي ووجود شُعب أمنية خاصة بالتنسيق والتحكم وإدارة شؤون هؤلاء السلفيين شبيهة بفرع فلسطين المُنشأ اساساً \"لإدارة\" شؤون التنظيمات العسكرية الفلسطينية التي بنتها هذه الأجهزة واستخدامهم وفق المصلحة \"القومية\" هو أمرٌ متفق عليه ومن المعروف للقاصي والداني ان علاقة النظام السوري بتنظيمات اصولية مثل فتح الإسلام وجند الشام وعصبة الإنصار ليست إلا استنساخا للعلاقة نفسها مع تنظيمات فلسطينية مثل الصاعقة والقيادة والعامة وفتح الإنتفاضة اي أنها علاقة الأبوة البيولوجية غير الشرعية وهي بالتالي اسرارٌ معلنة واللعبة التي يصرّ كتاب الدراما لدى النظام الأمني في سوريا على تكرارها لا تنطلي على أحد.
إن القباقيب التي دسها النظام السوري بعيد آلاف التفجيرات في العراق وتلك التي دسها في تل الزعتر ونهرالبارد وعين الحلوة وعشرات بل مئات القباقيب المدسوسة عند كل إغتيال سياسي قام به في لبنان منذ كمال جنبلاط وسليم اللوزي وصولاً إلى رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم وكثرٌ أخرين ممن تعلمون وممن لا تعلمون لن تفلح في تغطية الحقيقة التي بات يعلمها الجميع وهي ان هذا النظام البشع قد بلغ من الشراسة والدموية ما لم يبلغه أقسى عتاة التاريخ وأن ضخامة جرائمه وكثرتها لم تدع له من خيارٍ سوى خيار شمشون وما تفجيرا دمشق اللذان أقدم عليها النظام أمس إلا مشهدان عاديان يضافان إلى أهواله التي تشيب لها الولدان ولكن استبسال أهل الشام في درعا وحمص ودمشق وجبل الزاوية الأشم يؤكد ان هذا النظام قد بات على قاب قبقابين بل قاب قبقابٍ وأدنى من الموت الزؤام.

غسان أبو العلا

24/12/2011


No comments:

Post a Comment