Saturday, October 1, 2016

يوم مرّت طريق فلسطين من أوزو


ان الهوس الذهاني الذي عانى منه معمّر القذافي (Megalomania) أو ما يترجم شعبيّاً باسم جنون العظمة دفعه إلى البحث الدائم عمّا يشبع نهم نرجسيّته وأناه المتضخّمة من "أمجادٍ" متوهّمة. وذلك الهوس هو الذي دفعه إلى ابتكار "النظريّة العالميّة الثالثة" بمساعدة كتّابٍ مستأجرين, وكذلك إلى مدّ العشرات من الفصائل المسلحّة في الدول العربيّة والغربيّة بالمال حتى وصلت أمواله إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي. ولم يكتف القذافي  بالمجد" الذي صنعه في أوروبا وآسيا وفي الشرق  الأوسط بل امتدّت طموحاته التي غذّتها الثروة الهائلة التي تجمّعت لديه خصوصاً بعد الإرتفاع الصاروخي في أسعار النفط في الثمانينات, لتشمل القارة الأفريقية. وقد آتته الفرصة في البلد الإفريقي الملاصق لحدوده الذي يعاني من أزماتٍ سياسيّة وعرقيّة وعدم إستقرار أمني, وهو تشاد الذي يساهم القذافي بدعم الصراعات فيه عبر تمويل بعض فصائله المسلّحة بحثاً عن النفوذ.
رغم ان مساحة ليبية هي مليون وسبعمائة وخمسون ألف كم مربّع أي ان نسبة الكثافة السكانيّة فيها مقسومةً على 6 ملايين هو عدد سكان ليبيا تجعل حصة الفرد الليبيّ من المساحة تبلغ 30 كيلومتر مربّع وهي واحدة من أقلّ نسب الكثافة السكانية في العالم, إلّا ان العقيد القذافي اختلق مع تشاد أزمةً سياسيةً استمرّت سنواتٍ طويلة واستعرّت أكثر من مرّة وتحوّلت إلى صراعٍ مسلّح. أساس تلك الأزمة كان ادّعاء القذافي ان الشريط الحدودي التشادي المحاذي لليبيا والمعروف بإسم قطاع أوزو هو أرضٌ ليبيّة وتبلغ مساحة القطاع أكثر من مائة ألف كيلومتر مربع وهو غنيٌّ باليورانيوم. ورغم ثروة القذافي الهائلة وضخامة حجم الأموال التي بدّدها على التسلّح إلّا انه لم يفلح رغم ترسانته العسكريّة في بناء جيشٍ قويٍّ بسبب افتقار ليبيا إلى البُنى الحداثيّة والحضاريّة والإجتماعيّة التي يستوجبها بناء جيوشٍ قويّة أو أية مؤسّساتٍ عسكريّة أو مدنيّة أخرى, فقد تشتري الثروات عتاداً وربما جيوشاً انما لا يمكنها ان تشتري انتصارات.

دائماً ما يبالغ قادة الفصائل المسلّحة الفلسطينيّة واللبنانيّة وسماسرة المقاومة والنضال والكفاح في عديد قوّاتهم وقدراتهم العسكريّة أمام القذافي لتبرير حجم "المصروفات" الهائلة التي يتقاضونها منه مما أوهمه ان لديهم جيوشاً عرمرميّة ودفعه إلى الإستعانة بهم لبسط نفوذه في القارة الإفريقية بشكلٍ عام وفي تشاد وقطاع أوزو بشكلٍ خاص. فحين استعرّت الأزمة مع البلد الإفريقي المجاور وتحت شعار قوميّة المعركة وجّه القذافي إلى هؤلاء القادة "دعوةً" لا يستطيعوا رفضها لمشاركته شرف النضال في أوزو كما يشاركهم شرف النضال ضد إسرائيل فاُسقط في أيدي أولئك المناضلين ووجدوا انفسهم في ورطة. فإنهم من جهة أولى إذا ما فشلوا في تزويد القذافي بالمقاتلين فسوف يمنع عنهم الأموال المستقبليّة ومن جهة أخرى فانهم في الحقيقة لا يمتلكون العديد الذي يوهمون به القذافي فابتدعوا فكرة التسويق لدوراتٍ عسكريّة تجري في ليبيا يتلقون خلالها الشاب المنضوي في تلك الدورات راتباً مقداره 1500 دولاراً عدا عن الرتبة العسكريّة التي سيحصل عليها في نهاية التدريب. هذا الراتب الشهري الموعود يعتبر ثروةً في بلدٍ مثل سورية يكاد راتب العامل فيه, مع حساب فترات البطالة لا يتجاوز الخمسين دولاراً شهريّا. كذلك كان الامر في لبنان المنشغل بحروبه الداخليّة حيث يخوض أتباع الفصائل اللبنانيّة العسكريّة حروباً ضروس مقابل مائتيّ أو ثلاثمائة دولاراً في أحسن الأحوال.

بعد استلام دعوة (أو أمر) القذافي بادر المتموّلون إلى إطلاق حملة ٍإعلاميّة تضليليّة استطاعوا من خلالها جمع الآلاف من الشباب المغرّر بهم وسمحت لهم سوريا – التي شاركت أيضاً في تلك الحملة بطيّاريها وضبّاط مدفعيتها كون نظامها من أبرز المستفيدين من ثروات الليبيّين  _ بإستخدام مطارها للمغادرة دون وثائق سفرٍ على طائراتٍ ليبيّة عملت لهذه الغاية على خط دمشق وطرابلس.

إضطرّت كللّ الفصائل التي تتلقى أموالها من العقيد القذافي إلى المشاركة في تلك الخدعة ومن بينها الحزب الشيوعيّ اللبناني, الحزب القومي السوريّ, التقدمي الإشتراكي, القيادة العامّة, الجبهتين الشعبيّة والديموقراطيّة, فتح الانتفاضة, جبهة النضال الشعبي , لمجلس الثوري وما إلى هنالك من "بسطاتٍ" نضاليّة وكنت انا من ضمن هؤلاء المغرّر بهم انما تحت شعار آخر هو الإلتحاق بالقوّة البحريّة فكوني ضابطاً لم يستطع صديقي "سمسار النضال"  يوسف عمر إيهامي بقصّة الدورة العسكريّة.

"الخديعة – منظّمة الفساد الفلسطينيّة"

No comments:

Post a Comment